الشَّاهِدَ كَذَلِكَ وَشَبَهُ الْحَاكِمِ لِأَنَّ حُكْمَهُ يَنْفُذُ فِي الْقِيمَةِ، وَالْحَاكِمُ يُنَفِّذُهُ وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ شَبَهِ الرِّوَايَةِ فَإِنْ تَعَلَّقَ بِإِخْبَارِهِ حَدٌّ تَعَيَّنَ مُرَاعَاةُ الشَّهَادَةِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا قُوَّةُ مَا يُفْضِي إلَيْهِ هَذَا الْإِخْبَارُ وَيَنْبَنِي عَلَيْهِ مِنْ إبَاحَةِ عُضْوِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ، وَثَانِيهِمَا أَنَّ الْخِلَافَ فِي كَوْنِهِ رِوَايَةً أَوْ شَهَادَةً شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ، وَخَامِسُهَا الْقَاسِمُ قَالَ مَالِكٌ يَكْفِي الْوَاحِدُ وَالْأَحْسَنُ اثْنَانِ.
وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ التُّونُسِيُّ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَلِلشَّافِعِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ وَمَنْشَأُ الْخِلَافِ شَبَهُ الْحُكْمِ أَوْ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ وَالْأَظْهَرُ شَبَهُ الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ اسْتَنَابَهُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَيْضًا وَسَادِسُهَا إذَا أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِعَدَدِ مَا صَلَّى هَلْ يُكْتَفَى فِيهِ بِالْوَاحِدِ أَمْ لَا بُدَّ مِنْ اثْنَيْنِ وَشَبَهُ الْحَاكِمِ هُنَا مُنْتَفٍ فَإِنَّ قَضَايَا الْحَاكِمِ لَا تَدْخُلُ فِي الْعِبَادَاتِ بَلْ شَبَهُ الرِّوَايَةِ أَوْ الشَّهَادَةِ.
أَمَّا الرِّوَايَةُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُ عَنْ إلْزَامِ حُكْمٍ لِمَخْلُوقٍ عَلَيْهِ بَلْ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى فَأَشْبَهَ إخْبَارَهُ عَنْ السُّنَنِ وَالشَّرَائِعِ، وَأَمَّا شَبَهُ الشَّهَادَةِ فَلِأَنَّهُ إلْزَامٌ لِمُعَيَّنٍ لَا يَتَعَدَّاهُ وَهُوَ الْأَظْهَرُ، وَسَابِعُهَا أَطْلَقَ الْأَصْحَابُ الْقَوْلَ فِي الْمُخْبِرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَكَذَلِكَ الْخَارِصُ وَقَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ وَيُقَلَّدُ الْمُؤَذِّنُ الْوَاحِدُ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْوَقْتِ، وَكَذَلِكَ الْمَلَّاحُ وَمَنْ صِنَاعَتُهُ فِي الصَّحْرَاءِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْقِبْلَةِ إذَا كَانَ عَدْلًا يَغْلِبُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ شَبَهُ الرِّوَايَةِ
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَوْ كَالشَّاهِدِ فِي هَذَا الْفَرْضِ قَائِمٌ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَخَامِسُهَا الْقَاسِمُ) وَذَكَرَ فِيهِ أَنَّ مَنْشَأَ الْخِلَافِ شِبْهُ الْحُكْمِ أَوْ الرِّوَايَةِ قُلْت: لَيْسَ ذَلِكَ عِنْدِي بِصَحِيحٍ بَلْ مَنْشَأُ الْخِلَافِ شِبْهُ الْحُكْمِ أَوْ التَّقْوِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ فَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّ الْقَسْمَ مِنْ نَوْعِ الْحُكْمِ اكْتَفَى بِالْوَاحِدِ، وَمَنْ نَظَرَ إلَى أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ التَّقْوِيمِ وَبَنَى عَلَى الْأَصَحِّ اشْتَرَطَ الْعَدَدَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَسَادِسُهَا مُخْبِرُ الْمُصَلِّي بِعَدَدِ مَا صَلَّى) قُلْت ذَكَرَ أَنَّ شِبْهَ الْحُكْمِ فِيهِ مُنْتَفٍ، وَذَلِكَ صَحِيحٌ، وَذَكَرَ شِبْهَ الرِّوَايَةِ وَهُوَ مُحْتَمَلٌ، وَذَكَرَ شِبْهَ الشَّهَادَةِ وَقَالَ إنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَلَيْسَ مَا قَالَهُ بِصَحِيحٍ بَلْ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَوْعِ الرِّوَايَةِ وَلَا مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ، وَلَكِنَّهُ مِنْ سَائِرِ أَنْوَاعِ الْخَبَرِ وَشَبَهُهُ بِالرِّوَايَةِ ظَاهِرٌ غَيْرَ أَنَّهُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَيْسَ لِلْمُكَلَّفِ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا كُلِّفَ بِهِ إلَّا بِيَقِينٍ فَلَا يَكْفِي الْوَاحِدُ إلَّا مَعَ قَرَائِنَ تُوجِبُ الْقَطْعَ، وَكَذَلِكَ فِي الِاثْنَيْنِ وَمَا فَوْقَهُمَا، وَنَقُولُ طَلَبُ الْيَقِينِ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ مِمَّا يَشُقُّ وَيُحْرِجُ، وَالْحَرَجُ مَرْفُوعٌ شَرْعًا وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَسَابِعُهَا الْمُخْبِرُ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ، وَالْخَارِصُ وَذَكَرَ إطْلَاقَ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِمَا الْوَاحِدُ، قَالَ وَقَالَ مَالِكٌ يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَاسِمِ بَيْنَ اثْنَيْنِ، وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ لَا يُقْبَلُ) قُلْتُ قَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْقَاسِمِ، وَأَمَّا الْمُخْبِرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَالْخَارِصُ فَالْأَوْلَى الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الْخَارِصَ فِي مَعْنَى الْقَاسِمِ، وَالْمُخْبِرَ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ فِي مَعْنَى مُخْبِرِ الْمُصَلِّي.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (أَوْ يُقَلِّدُ الْمُؤَذِّنَ الْوَاحِدَ وَالْمَلَّاحَ وَمَنْ صِنَاعَتُهُ فِي الصَّحْرَاءِ فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الْقِبْلَةِ يَغْلِبُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ شِبْهُ الرِّوَايَةِ) قُلْتُ: مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ يَغْلِبُ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ شِبْهُ الرِّوَايَةِ كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْمُخْبِرِ عَنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ وَالْخَارِصِ وَبَيْنَ الْمُؤَذِّنِ وَالْمُخْبِرِ عَنْ الْقِبْلَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَأَمَّا الْأَخِيرَانِ فَشَبَهُ الرِّوَايَةِ فِيهِمَا ظَاهِرٌ كَمَا قَالَ شِهَابُ الدِّينِ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
يَسْتَنْبِطُ أَحْكَامَ الْفُرُوعِ مِنْ قَوَاعِدِ أُصُولِ الْفِقْهِ، وَعَلَى هَذَا مَشَى فِي كِتَابَةِ التَّنْبِيهِ وَهِيَ طَرِيقَةٌ نَبَّهَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُ مُخَلِّصَةٍ، وَالْفُرُوعُ لَا يَطَّرِدُ تَخْرِيجُهَا عَلَى الْقَوَاعِدِ الْأَصْلِيَّةِ اهـ بِلَفْظِهِ فَتَنَبَّهْ.
(الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ) الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ فَرَقَ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْمَعَانِي وَفَرَّقَ بِالتَّشْدِيدِ فِي الْأَجْسَامِ نَظَرًا لِكَوْنِ كَثْرَةِ الْحُرُوفِ عِنْدَهُمْ تَقْتَضِي كَثْرَةَ الْمَعْنَى أَوْ زِيَادَتَهُ أَوْ قُوَّتَهُ غَالِبًا، وَالْمَعَانِي لَطِيفَةٌ يُنَاسِبُهَا التَّخْفِيفُ، وَالْأَجْسَامُ كَثِيفَةٌ يُنَاسِبُهَا التَّشْدِيدُ فَمِنْ الْغَالِبِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلا مِنْ سَعَتِهِ﴾ [النساء: ١٣٠] وقَوْله تَعَالَى ﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ﴾ [البقرة: ١٠٢] وقَوْله تَعَالَى ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ﴾ [الفرقان: ١] وَلَا تَكَادُ تَسْمَعُ مِنْ الْفُقَهَاءِ إلَّا قَوْلَهُمْ مَا الْفَارِقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَقُولُونَ مَا الْمُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ وَمِنْ غَيْرِ الْغَالِبِ قَوْله تَعَالَى ﴿فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة: ٢٥] وقَوْله تَعَالَى ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ﴾ [البقرة: ٥٠] فَخَفَّفَ فِي الْأَجْسَامِ وَكَثِيرًا مَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ فِي الْأَفْعَالِ دُونَ اسْمِ الْفَاعِلِ: فَرِّقْ لِي بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَلَا يَقُولُونَ أَفْرِقْ لِي بَيْنَهُمَا، وَيَقُولُونَ بِأَيِّ شَيْءٍ نُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّشْدِيدِ، وَلَا يَقُولُونَ بِأَيِّ شَيْءٍ نَفْرُقُ بَيْنَهُمَا بِالتَّخْفِيفِ وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
[الْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ]
(الْفَرْقُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَالرِّوَايَةِ) بِبَيَانِ مَعْنَاهُمَا أَمَّا لُغَةً فَالشَّهَادَةُ مَصْدَرُ شَهِدَ وَلِشَهِدَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: أَحَدُهَا حَضَرَ يُقَالُ شَهِدَ بَدْرًا وَشَهِدْنَا صَلَاةَ الْعِيدِ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ [البقرة: ١٨٥] مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الْمِصْرَ فِي الشَّهْرِ فَلْيَصُمْهُ أَوْ مَنْ حَضَرَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فِي الْمِصْرِ فَلْيَصُمْهُ فَإِنَّ الصَّوْمَ لَا يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ، فَالْمَقْصُودُ إنَّمَا هُوَ الْمُقِيمُ الْحَاضِرُ وَثَانِيهَا أَخْبَرَ، يُقَالُ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَيْ أَخْبَرَ فِيمَا يَعْتَقِدُهُ فِي حَقِّ الْمَشْهُودِ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَثَالِثُهَا عَلِمَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [المجادلة: ٦] أَيْ عَلِيمٌ وَوَقَعَ التَّرَدُّدُ لِبَعْضِ الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِ شَهِدَ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [آل عمران: ١٨] بِمَعْنَى عَلِمَ لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَوْ بِمَعْنَى أَخْبَرَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عِبَادَهُ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُحْتَمِلٌ لِلْأَمْرَيْنِ، وَالرِّوَايَةُ مَصْدَرُ رَوَى
1 / 10