أَوْ الَّتِي هِيَ لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ دُونَ الْوَاوِ الَّتِي هِيَ لِلشَّيْئَيْنِ مَعًا، وَهَذَا هُوَ اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ نَوْعَانِ لِلْخَبَرِ، وَالنَّوْعُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ فَلَوْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ.
قُلْت: الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ ﵀ فِي صِيغَةِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَنَافِي الْمَقْبُولَيْنِ تَنَافِي الْقَبُولَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُمْكِنَ قَابِلٌ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِذَاتِهِ، وَهُمَا نَقِيضَانِ مُتَنَافِيَانِ وَالْقَبُولَانِ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْقَبُولَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَلَزِمَ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ الْقَبُولِ ثُبُوتُ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ الْمَقْبُولِ الْآخَرِ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْوُجُودُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ مُسْتَحِيلًا وَالْمُقَرَّرُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ هَذَا خُلْفٌ.
وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْعَدَمُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا مُمْكِنَ الْوُجُودِ هَذَا خُلْفٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِمْكَانُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ وَإِنْ تَنَافَى الْمَقْبُولَانِ فَتَتَعَيَّنُ الْوَاوُ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْتِبَاسُ الْقَبُولَيْنِ بِالْمَقْبُولَيْنِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْمَقْبُولَيْنِ تَعَذُّرُ اجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ نَقُولُ كُلُّ جِسْمٍ قَابِلٍ لِجَمِيعِ الْأَضْدَادِ وَقُبُولَاتُهُ كُلُّهَا مُجْتَمِعَةٌ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُتَعَاقِبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ هِيَ الْمَقْبُولَاتُ لَا الْقُبُولَاتُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ، وَيَتَقَوَّى ذَلِكَ وَيَتَّضِحُ بِأَنَّ الْإِمْكَانَ وَالْوُجُوبَ وَالِاسْتِحَالَةَ أَحْكَامٌ وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ لِمَحَالِّهَا لَازِمَةٌ لَهَا، وَالْإِلْزَامُ انْقِلَابُ الْمُمْكِنِ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحِيلًا وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ وَإِذَا كَانَتْ لَازِمَةً لِمَحَالِّهَا وَاللَّازِمُ لَا يُفَارِقُ الْمَلْزُومَ فَالْمَقْبُولَاتُ لَا تُفَارِقُهَا فَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ فِيهَا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
أَوْ دُونَ الْوَاوِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ إمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَلِأَنَّ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ نَوْعَانِ لِلْخَبَرِ. وَالنَّوْعُ لَا يُعْرَفُ إلَّا بَعْدَ مَعْرِفَةِ الْجِنْسِ فَلَوْ عُرِفَ الْجِنْسُ بِهِ لَزِمَ الدَّوْرُ.
قَالَ قُلْت الْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي؛ (لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَنَافِي الْمَقْبُولَيْنِ تَنَافِي الْقَبُولَيْنِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُمْكِنَ قَابِلٌ لِلْوُجُودِ وَالْعَدَمِ لِذَاتِهِ، وَهُمَا نَقِيضَانِ مُتَنَافِيَانِ وَالْقَبُولَانِ يَجِبُ اجْتِمَاعُهُمَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ وُجِدَ أَحَدُ الْقَبُولَيْنِ دُونَ الْآخَرِ لَلَزِمَ مِنْ نَفْيِ ذَلِكَ الْقَبُولِ ثُبُوتُ اسْتِحَالَةِ ذَلِكَ الْمَقْبُولِ الْآخَرِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْوُجُودُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ مُسْتَحِيلًا، وَالْمُقَرَّرُ أَنَّهُ مُمْكِنٌ هَذَا خُلْفٌ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحِيلُ هُوَ الْعَدَمُ لَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْمُمْكِنُ وَاجِبَ الْوُجُودِ لَا مُمْكِنَ الْوُجُودِ هَذَا خُلْفٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْإِمْكَانُ إلَّا بِاجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ وَإِنْ تَنَافَى الْمَقْبُولَانِ فَتَتَعَيَّنُ الْوَاوُ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ الْتِبَاسُ الْقَبُولَيْنِ بِالْمَقْبُولَيْنِ، وَأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَعَذُّرِ اجْتِمَاعِ الْمَقْبُولَيْنِ تَعَذُّرُ اجْتِمَاعِ الْقَبُولَيْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلِذَلِكَ نَقُولُ كُلُّ جِسْمٍ قَابِلٌ لِجَمِيعِ الْأَضْدَادِ وَقُبُولَاتُهَا كُلُّهَا مُجْتَمِعَةٌ لَهُ، وَإِنَّمَا الْمُتَعَاقِبَةُ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ هِيَ الْمَقْبُولَاتُ لَا الْقُبُولَاتُ فَتَأَمَّلْ ذَلِكَ. وَيَتَقَوَّى ذَلِكَ وَيَتَّضِحُ بِأَنَّ الْإِمْكَانَ وَالْوُجُوبَ وَالِاسْتِحَالَةَ أَحْكَامٌ وَاجِبَةُ الثُّبُوتِ لِمَحَالِّهَا لَازِمَةٌ لَهَا، وَإِلَّا لَزِمَ انْقِلَابُ الْمُمْكِنِ وَاجِبًا أَوْ مُسْتَحِيلًا وَبِالْعَكْسِ، وَذَلِكَ مُحَالٌ وَإِذَا كَانَتْ لَازِمَةً لِمَحَالِّهَا، وَاللَّازِمُ لَا يُفَارِقُ الْمَلْزُومَ فَالْقُبُولَاتُ لَا تُفَارِقُهَا فَهِيَ مُجْتَمِعَةٌ فِيهَا)
قُلْت قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا هُوَ صِدْقٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ كَذِبًا.
وَمَا هُوَ كَذِبٌ لَا يَصِحُّ أَنْ يَصِيرَ صِدْقًا
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
عَنْ الْمُخَالِفِ وَعَنْ صُوَرِهَا مَا إذَا رَآهُ جَمَاعَةٌ ثُمَّ سَارَتْ بِهِمْ رِيحٌ فِي سَفِينَةٍ فَوَصَلُوا إلَى بَلَدٍ بَعِيدٍ فِي آخِرِ اللَّيْلِ لَمْ يَلْزَمْهُمْ الصَّوْمُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُمْ الْفِطْرُ فِي آخِرِهِ عِنْدَهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مُصَادِمٌ لِقَوْلِهِ ﵊ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَأَجَابُوا عَنْ خَبَرِ كُرَيْبٌ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَا يُفْطِرُونَ بِقَوْلِ كُرَيْبٌ وَحْدَهُ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي وُجُوبِ قَضَاءِ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ فِي الْحَدِيثِ قَالُوا.
وَأَجَابَ الْقَاضِي عَنْ قَوْلِ الْمُخَالِفِ الْهِلَالُ يَجْرِي مَجْرَى طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ لِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمَ نَفْسِهِ فَكَذَا الْهِلَالُ بِأَنَّ الشَّمْسَ تَتَكَرَّرُ مُرَاعَاتُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ فَيُؤَدِّي قَضَاءُ الْعِبَادَاتِ إلَى كَبِيرِ الْمَشَقَّةِ، وَالْهِلَالُ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ فَلَيْسَ فِي قَضَاءِ يَوْمٍ كَبِيرُ مَشَقَّةٍ، وَدَلِيلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ الْعُمُومِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ كَذَا فِي كَشَّافِ الْقِنَاعِ شَرْحِ الْإِقْنَاعِ مَعَ الْمَتْنِ بِتَصَرُّفٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الْإِشْكَالُ الثَّانِي التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الْمُؤَذِّنِ يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ وَبَيْنَ الْمُخْبِرِ عَنْ هِلَالِ رَمَضَانَ لَا يُقْبَلُ فِيهِ الْوَاحِدُ مَعَ أَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ عَلَى قَاعِدَةِ الْمَالِكِيَّةِ مِنْ عُمُومِ رُؤْيَتِهِ فِي قُطْرِ جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ خَبَرُهُ أَشْبَهُ بِالرِّوَايَةِ مِنْ الْمُؤَذِّنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ الْوَاحِدُ قِيَاسًا عَلَى الْمُؤَذِّنِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَا يَنْفَعُ فِي دَفْعِهِ أَنَّ الْمَعَانِيَ الْكُلِّيَّةَ قَدْ يُسْتَثْنَى مِنْهَا بَعْضُ أَفْرَادِهَا بِالسَّمْعِ.
وَقَدْ وَرَدَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِقَوْلِهِ ﵊ «إذَا شَهِدَ عَدْلَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا وَانْسُكُوا» فَاشْتَرَطَ عَدْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ وَمَعَ تَصْرِيحِ صَاحِبِ الشَّرْعِ بِاشْتِرَاطِ عَدْلَيْنِ لَا يَلْزَمُنَا بِالْعَدْلِ الْوَاحِدِ شَيْءٌ، وَلَا يُسْمَعُ الِاسْتِدْلَال بِالْمُنَاسَبَاتِ فِي إبْطَالِ النُّصُوصِ الصَّرِيحَةِ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ يَدُلُّ بِمَنْطُوقِهِ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعَدْلَيْنِ فِي وُجُوبِ الصَّوْمِ إنَّمَا يَدُلُّ بِمَفْهُومِهِ فَإِنَّ مَنْطُوقَهُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ يَجِبُ عِنْدَهُمَا مَا ذُكِرَ وَمَفْهُومُهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْطِ أَنَّ أَحَدَهُمَا لَا يَكْفِي، وَالْقِيَاسُ الْجَلِيُّ مُقَدَّمٌ عَلَى مَنْطُوقِ اللَّفْظِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِمَالِكٍ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْمَفْهُومِ قَوْلًا وَاحِدًا؛ لِأَنَّ الْقَاضِيَ أَبَا بَكْرٍ وَغَيْرَهُ يَقُولُ
1 / 20