أَمَّا الْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُفْتِي وَالْمُفْتِي لَمْ أَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا أَنَّهُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ؛ لِأَنَّهُ نَاقِلٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى لِخَلْقِهِ كَالرَّاوِي لِلسُّنَّةِ، وَلِأَنَّهُ وَارِثٌ لِلنَّبِيِّ ﷺ فِي ذَلِكَ وَقَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ يَكْفِي وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ وَارِثُهُ فَالْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ أَوْ الصَّلَاةِ كَذَلِكَ مُبَلِّغٌ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا فَرْقًا وَهُوَ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يُخْبِرُ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ بَلْ عَنْ الْحُكْمِ مِنْ حَيْثُ هُوَ حُكْمُ الَّذِي يَعُمُّ الْخَلَائِقَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَالْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ أَوْ الصَّلَاةِ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي شَخْصٍ جُزْئِيٍّ.
وَهَذَا شَبَهٌ شَدِيدٌ بِالشَّهَادَةِ أَمْكَنَ مُلَاحَظَتُهُ، وَكَذَلِكَ الْخَارِصُ إنْ جُعِلَ حَاكِمًا يُتَّجَهُ لَا رَاوِيًا، وَالْحَاكِمُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَفِي السَّاعِي أَنَّ تَصَرُّفَهُمَا تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ، وَالْقَاسِمُ أَيْضًا كَذَلِكَ إنْ اسْتَنَابَهُ الْحَاكِمُ فَشَائِبَةُ الْحَاكِمِ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ انْتَدَبَهُ الشَّرِيكَانِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْكِيمِ وَالْمُؤَذِّنُ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ، وَهُوَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا فَأَشْبَهَ الْمُخْبِرَ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَارَقَ الْمُفْتِيَ.
وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا اثْنَانِ، وَيَغْلِبُ شَائِبَةُ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا إخْبَارٌ عَنْ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي وَقْتٍ جُزْئِيٍّ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ مُشْتَرَطًا
ــ
[حاشية ابن الشاط = إدْرَار الشُّرُوقِ عَلَى أَنْوَاءِ الْفُرُوقِ]
(أَمَّا الْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ فَلِشَبَهِهِ بِالْمُفْتِي إلَى قَوْلِهِ: وَكَذَلِكَ وَارِثُهُ) قُلْت مَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْفَصْلِ ظَاهِرٌ صَحِيحٌ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ شَبَهِ الْمُخْبِرِ عَنْ النَّجَاسَةِ بِالْمُفْتِي، وَقَدْ عَطَفَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى ذِكْرِ الْفَرْقِ فَقَالَ غَيْرَ أَنَّ هَاهُنَا فَرْقًا، وَهُوَ أَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يُخْبِرُ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْحُكْمِ بَلْ عَنْ الْحُكْمِ، وَالْمُخْبِرُ عَنْ النَّجَاسَةِ أَوْ الصَّلَاةِ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي شَخْصٍ جُزْئِيٍّ، وَهَذَا شَبَهٌ شَدِيدٌ بِالشَّهَادَةِ أَمْكَنَ مُلَاحَظَتُهُ قُلْت إضْرَابُهُ عَنْ مُرَاعَاةِ قَيْدِ فَصْلِ الْقَضَاءِ فِي الشَّهَادَةِ أَوْقَعَهُ فِي اعْتِقَادِ قُوَّةِ الشَّبَهِ هُنَا بِالشَّهَادَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي مُخْبِرِ الْمُصَلِّي أَنَّ الْأَظْهَرَ شَبَهُ الرِّوَايَةِ بِخِلَافِ مَا اخْتَارَهُ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ: (وَكَذَلِكَ الْخَارِصُ إنْ جُعِلَ حَاكِمًا يَتَّجِهُ لَا رَاوِيًا، وَالْحَاكِمُ يَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ فِيهِ وَفِي السَّاعِي أَنَّ تَصَرُّفَهُمَا تَصَرُّفُ الْحَاكِمِ وَالْقَاسِمِ أَيْضًا كَذَلِكَ إنْ اسْتَنَابَهُ الْحَاكِمُ فَشَائِبَةُ الْحَاكِمِ ظَاهِرَةٌ وَإِنْ انْتَدَبَهُ الشَّرِيكَانِ أَمْكَنَ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ مِنْ بَابِ التَّحْكِيمِ) قُلْتُ: قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّ الْقَسْمَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ مِنْ نَوْعِ الْحُكْمِ وَمِنْ نَوْعِ التَّقْوِيمِ، وَالْخَرْصُ فِي مَعْنَاهُ وَأَمَّا السَّاعِي فَهُوَ فِي مَعْنَى الْحَاكِمِ.
قَالَ شِهَابُ الدِّينِ (وَالْمُؤَذِّنُ مُخْبِرٌ عَنْ وُقُوعِ السَّبَبِ وَهُوَ أَوْقَاتُ الصَّلَوَاتِ فَإِنَّهَا أَسْبَابُهَا فَأَشْبَهَ الْمُخْبِرَ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْمِلْكِ مِنْ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَارَقَ الْمُفْتِيَ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ إلَّا اثْنَانِ، وَيَغْلِبُ شَائِبَةُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهَا إخْبَارٌ عَنْ سَبَبٍ جُزْئِيٍّ فِي وَقْتٍ جُزْئِيٍّ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَرَهُ مُشْتَرَطًا) قُلْت إضْرَابُهُ عَنْ مُرَاعَاةِ قَيْدِ فَصْلِ الْقَضَاءِ حَمَلَهُ عَلَى تَسْوِيَتِهِ بَيْنَ الْخَبَرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الصَّلَاةِ، وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَبَيْنَ الْخَبَرِ عَنْ وُقُوعِ سَبَبِ الْبَيْعِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَلَا خَفَاءَ بِالْفَرْقِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ احْتِمَالِ قَصْدِ الْعَدُوِّ إلْزَامَ عَدُوِّهِ مَا لَا يَلْزَمُهُ وَالتَّشَفِّي مِنْهُ بِذَلِكَ مَا يَتَطَرَّقُ إلَى الثَّانِي، فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَوَّلَ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ، وَالثَّانِيَ مِنْ نَوْعِ الشَّهَادَةِ.
قَالَ
ــ
[تَهْذِيب الْفُرُوقِ وَالْقَوَاعِدِ السنية فِي الْأَسْرَارِ الْفِقْهِيَّةِ]
بِمَعْنَى حَمَلَ وَتَحَمَّلَ فَرَاوِي الْحَدِيثِ حَمَلَهُ وَتَحَمَّلَهُ عَنْ شَيْخِهِ، فَلِذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ إنَّ إطْلَاقَ الرَّاوِيَةِ عَلَى الْمَزَادَةِ الَّتِي يُحْمَلُ فِيهَا الْمَاءُ عَلَى الْجَمَلِ مَجَازٌ مُرْسَلٌ لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ؛ لِأَنَّ الرَّاوِيَةَ بِهَاءِ الْمُبَالَغَةِ اسْمٌ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ لِلْبَعِيرِ الَّذِي كَثُرَ حَمْلُ الْمَاءِ عَلَيْهِ فَفِي الْمِصْبَاحِ رَوَى الْبَعِيرُ الْمَاءَ يَرْوِيهِ مِنْ بَابِ رَمَى حَمَلَهُ فَهُوَ رَاوِيَةٌ الْهَاءُ فِيهِ لِلْمُبَالَغَةِ، ثُمَّ أُطْلِقَتْ الرَّاوِيَةُ عَلَى كُلِّ دَابَّةٍ يُسْتَقَى الْمَاءُ عَلَيْهَا اهـ.
وَهَذَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِكَوْنِ رَاوِيَةٍ إنَّمَا يَأْتِي مِنْ الثُّلَاثِيِّ قُلْت: وَفِي حَاشِيَةِ الْأُنْبَابِيِّ عَلَى بَيَانِيَّةِ الصَّبَّانِ، وَمُفَادُ قَوْلِ ابْنِ سِيدَهْ الرَّاوِيَةُ الْمَزَادُ فِيهَا الْمَاءُ، وَيُسَمَّى الْبَعِيرُ رَاوِيَةً عَلَى تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاسْمِ الشَّيْءِ لِقُرْبِهِ مِنْهُ اهـ.
إنَّ الرَّاوِيَةَ حَقِيقَةٌ فِي الْمَزَادَةِ مَجَازٌ فِي الْبَعِيرِ لِعَلَاقَةِ الْمُجَاوَرَةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ أَرْوَى الرُّبَاعِيِّ شُذُوذًا إذْ قِيَاسُ اسْمِ الْفَاعِلِ مِنْ أَرْوَى مَرْوَ لَا رَاوِيَةٌ، وَظَاهِرُ صَنِيعِ صَاحِبِ الْقَامُوسِ أَنَّهَا حَقِيقَةٌ فِيهِمَا حَيْثُ قَالَ الرَّاوِيَةُ الْمَزَادَةُ فِيهَا الْمَاءُ وَالْبَعِيرُ وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ يُسْتَسْقَى عَلَيْهِ الْمَاءُ اهـ.
نَعَمْ مِنْ اصْطِلَاحَاتِهِ أَنَّهُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فَلَعَلَّ أَقْوَالَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهَا ثَلَاثَةٌ كَمَا يُشْعِرُ بِهِ كَلَامُ ابْنِ الطَّيِّبِ فِي حَوَاشِي الْقَامُوسِ.
وَأَمَّا اصْطِلَاحًا فَفِي شَرْحِ الْبُرْهَانِ لِلْمَازِرِيِّ مَا يُفِيدُ أَنَّ الشَّهَادَةَ خَبَرٌ خَاصٌّ قُصِدَ بِهِ تَرْتِيبُ فَصْلِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ كَقَوْلِ الْعَدْلِ عِنْدَ الْحَاكِمِ لِهَذَا عِنْدَ هَذَا دِينَارٌ وَالرِّوَايَةُ خَبَرٌ عَامٌّ قُصِدَ بِهِ تَعْرِيفُ دَلِيلِ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ كَقَوْلِهِ ﵊ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَالشُّفْعَةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ فَلَا يُسَمَّى فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَالْأُصُولِيِّينَ قَوْلُ الْمُخْبِرِ لِزَيْدٍ قِبَلَ عَمْرٍو دِينَارٌ غَيْرَ قَاصِدٍ بِهِ أَنْ يَتَرَتَّبَ فَصْلُ قَضَاءٍ عَلَيْهِ شَهَادَةٌ، وَلَا هُوَ شَاهِدٌ عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ بَلْ يُسَمَّى خَبَرًا وَقَائِلُهُ مُخْبِرًا.
وَكَذَلِكَ الْمُخْبِرُ عَنْ الْأُمُورِ الْوَاقِعَةِ لَا يُسَمَّى شَاهِدًا كَمَا لَا يُسَمَّى فِي عُرْفِهِمْ رَاوِيًا عَلَى جِهَةِ الْحَقِيقَةِ وَإِنْ سُمِّيَ كَمَا فِي الْأَقَاصِيصِ وَنَحْوِهَا فَهُوَ مَجَازٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا يَشْتَرِطُونَ فِيهِ مِنْ صِفَاتِ الرِّوَايَةِ مَا يَشْتَرِطُونَ فِي رُوَاةِ تَعْرِيفِ أَدِلَّةِ الْأَحْكَامِ وَالشَّهَادَةِ بِالْوَقْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَالنَّسَبِ الْمُتَفَرِّعِ بَيْنَ الْأَنْسَابِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَنَحْوِهِمَا مِنْ النَّظَائِرِ إنَّمَا جَاءَ الْعُمُومُ فِيهَا بِطَرِيقِ الْعَرْضِ.
وَالتَّبَعُ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ
1 / 11