امتطى دارتانيان، من جديد، صهوة جواده الأصفر اللون، الذي حمله بدوره إلى باريس، وهناك باع حصانه بثلاثة كراونات. وهذا يعتبر ثمنا طيبا للغاية. وهكذا دخل هذا المغامر الشاب باريس على قدميه، حاملا متعلقاته القليلة في حقيبة تحت إبطه.
وبعد بحث غير طويل، وجد شقة للإيجار بسعر يناسب ماليته المحدودة. بعد ذلك، ذهب ليصنع نصلا جديدا لسيفه. وفي طريق عودته، سأل أول فارس أبصره عن مقر السيد دي تريفي الرئيسي، والذي اتضح أنه قريب من المسكن الذي استأجره.
وإذ كان مقتنعا بعد ذلك بالطريقة التي سلكها إلى ميونغ، دون أسف على ما مضى، وواثقا بالحاضر، ومفعما بالأمل في المستقبل؛ فقد أوى إلى فراشه، ونام نومة المقدام.
الفصل الخامس
إعجاب دارتانيان بطرق استخدام السيف فوق السلم، وإعجابه بحمالة سيف
كان فرسان الملك جماعة من الرجال البواسل المستهترين غير المهذبين تماما، وعلى استعداد لمواجهة أي شخص، فيما عدا رئيسهم السيد دي تريفي. كانوا يشاهدون في كل مكان يضحكون ويتكلمون بأصوات صاخبة، ويفتلون شواربهم، ويصلون بسيوفهم. وفوق كل شيء، كان يحلو لهم أكثر من أي شيء آخر أن يتحرشوا بحرس الكاردينال، حين يلتقونهم بمحض الصدفة. ولم يهتم أولئك الرجال بالقانون في قليل أو كثير، وكانوا دائما في قتال ونزال؛ يقتلون أحيانا، ولكنهم في أغلب الأحيان يقتلون. وكانوا على يقين من عدم بقائهم في السجن؛ إذ إن هناك السيد دي تريفي الذي يعمل على إطلاق سراحهم في الحال.
كان هؤلاء الرجال يقدسون السيد دي تريفي، ويمدحونه مديحا يكاد يصل إلى عنان السماء. ورغم كونهم لا يهابون أحدا، فإنهم كانوا يطيعون أي أمر يتفوه به السيد دي تريفي، وعلى استعداد تام للتضحية بالنفس والنفيس لغسل أقل إهانة تلحق به أو بالفرسان تحت إمرته. وكان مقر السيد دي تريفي في باريس يشبه معسكرا مسلحا في جميع الأوقات. كان به على الدوام خمسون أو ستون فارسا مجتمعين في الفناء وفي الممرات. وكانوا يتناوبون الحراسة فيما بينهم أثناء فترة راحتهم في القصر؛ ليظهروا قواهم في استعراض عظيم قدر الإمكان. يسيرون في كبرياء وخيلاء، مدججين بالسلاح، ومستعدين لأي شيء.
لما قدم دارتانيان نفسه، كان المجلس مهيأ بعظمة غير عادية، كأن شخصية عظيمة ستزور السيد دي تريفي، فلما اجتاز دارتانيان المدخل الضخم ذا الأبواب الكبيرة المغطاة بالمسامير المربعة الرءوس، وجد نفسه وسط عدد من السيافين، يمزحون ويتشاجرون بمرح، كل واحد مع الآخر، وهم لا يفسحون الطريق لأي شخص إلا إذا كان ضابطا أو نبيلا أو سيدة.
تقدم الشاب وسط هذه الضوضاء والفوضى الواضحة، وقلبه يخفق. وكلما اجتاز جماعة تنفس الصعداء. ولكن لم يسعه إلا أن يلاحظ أنهم كانوا يرمقونه بمتعة، فأحس دارتانيان المزهو، لأول مرة في حياته، بشيء من القلق. وعندما بلغ أول السلم الرحب الضخم زاد قلقه. كان ثمة أربعة فرسان يتسلون بألعاب السيوف، وعشرة فرسان، أو اثنا عشر فارسا، كانوا عند بداية السلم، ليأخذوا دورهم. وقف أحد هؤلاء الأربعة عند درجة سلم عليا مشهرا سيفه، ليمنع أو ليحاول منع الثلاثة الآخرين من الصعود، فانقض عليه الثلاثة الآخرون بسيوفهم المشرعة، إلا أن الفارس الواقف على درجة السلم العليا، أبعد عنه خصومه الثلاثة، بمهارة فائقة.
ويبدو أن القاعدة عندهم تنص على أنه إذا أصيب رجل، خطا جانبا، وحل محله آخر. وخلال خمس دقائق، جرح ثلاثة فرسان جروحا بسيطة، أحدهم في يده، وآخر في ذقنه، وثالث في أذنه، بواسطة الفارس المدافع عن السلم، على حين ظل هو نفسه دون أن يمسه أذى. لم يسبق لدارتانيان أن شاهد مثل هذه المهارة، ولا مثل هذه الجرأة.
Halaman tidak diketahui