أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعة مانشستر بإنجلترا، وسماه «فن الدراسة الأدبية»
The Art of Literary study ، وقصد به إلى أوساط القراء الذين لم يتعمقوا في أصول النقد الأدبي، ولعلهم لا يريدون أن يتعمقوا فيها، فهم يقرءون آثار الأدباء من شعر ونثر ليستمتعوا بما يقرءون؛ فأراد مؤلف الكتاب أن يكون لهؤلاء مرشدا ومعينا، وأن يهديهم إلى بغيتهم سواء السبيل؛ فهو في الفصل الأول يبين لقارئ الشعر كيف ينبغي له أن يقرأ الشعر لكي يسيغه ويتذوقه، وفي الفصل الثاني يحدد لبعض المصطلحات الأدبية معانيها؛ حتى يكون القارئ أتم دراية بما يقرأ، ثم يبين في الفصل الثالث لكل فن ميدانه ونطاقه؛ ليعرف صاحب الفن ما حدوده، فلا يطغى الشاعر على ما يجب أن يترك للمصور، ولا كاتب القصة على ميدان الرواية المسرحية وهكذا، وفي الفصل الرابع يوضح لنا الكاتب أصول القصة وأوضاعها وشروطها توضيحا دقيقا بارعا، كما يوضح في الفصل الخامس أصول الرواية المسرحية وشروطها. ولعلنا في هذا العهد الذي أخذت فيه القصة والمسرحية تلتمسان سبيلهما إلى الظهور في الأدب العربي، أحوج ما نكون إلى هذين الفصلين الأخيرين؛ فليس من يمشي مكبا على وجهه أهدى ممن يمشي على صراط مستقيم.
ولقد أخذت على نفسي أن أنقل آراء الكاتب نقلا أمينا لا زيادة فيه ولا نقصان، دون أن ألتزم الترجمة الحرفية جريا على السنة التي رسمتها لجنة التأليف والترجمة والنشر في إخراج هذه السلسلة؛ فقد أقف هنا سطرا أو سطرين لأوضح فكرة أخشى أن تكون غامضة على القارئ العربي، وقد أقتضب هناك سطرا أو سطرين لأجتنب إطنابا ليس فيه كبير غناء، واستبحت لنفسي أن أبدل عنوان الكتاب، فجعلته: «فنون الأدب».
وبديهي أن كتابا في النقد الأدبي لا بد له أن يسوق الأمثلة والشواهد للبيان والإيضاح، وبديهي كذلك أن من الأمثلة ما يفقد في الترجمة موضع الاستشهاد، بحيث لا تعود له دلالته التي أريد له أن يوضحها، فلم يكن لي بد من التصرف الشديد؛ فأمثلة حذفتها حذفا وحاولت جهد المستطاع أن أستبدل بها أخرى من الأدب العربي، تدل بعض الدلالة على ما أراد الكاتب أن يوضحه، وأمثلة آثرت نقلها إلى العربية؛ لأن الترجمة لا تفقدها الفكرة، وإن أفقدتها شيئا من جمال لفظها، ولم أشأ أن أفصل الأمثلة الدخيلة في هوامش الكتاب، بل أجريتها في سياق الحديث ليخرج القارئ العربي بشيء قريب من الأثر الذي يخرج به قارئ الكتاب في أصله الإنجليزي.
فإن استطاع هذا الكتاب أن يعين قارئ الأدب على أن يزيد من تقديره لما يقرأ واستمتاعه به فقد أدى رسالته.
وإني أشكر الأستاذ الجليل أحمد أمين بك على اختياره لهذا الكتاب، وعهده إلي بترجمته ومراجعته قبل طبعه.
والله أسأل أن يسدد خطانا، وأن يوفقنا إلى ما نريد.
الفصل الأول
الشعر
سل من شئت من أوساط الناس: ما الشعر؟ يجبك: إنه الكلام المنظوم. لكني في هذا الكتاب سأستخدم لفظ الشعر في معنى لم تألفه الآذان. سأستخدمه لأدل به على كلام صدر عن فن، ولم يقصد به كاتبه أو قائله أن يضيف بمعانيه إلى ذخيرة العرفان قطرة أو قطرات. سأستخدمه لأدل به على كلام يراد به قبل كل شيء أن يكون لقارئه لذة ومتاعا، وسواء بعد ذلك أكان هذا الكلام نثرا، كما ترى في القصص والمقالات والروايات المسرحية، أم كان الكلام نظما، كما ترى في القصائد الغنائية وشعر الملاحم. وما دمت قد أطلقت لفظ الشعر ليشمل هذا النطاق الواسع الفسيح، فلا بد لي أن أخرج منه القصائد المنظومة التي قصد بها إلى النفع لا إلى المتعة، كهذه التي تصادفها في كتب النحو تصوغ لك القواعد في منظوم لتحتفظ به الذاكرة في غير عسر ولا عناء. فالذي أردت أن أستهل به الحديث - إذن - هو أن سمة الشعر على اختلاف ضروبه أنه لا يرمي إلى نفع، ولا يبتغي معرفة وعلما؛ إنما هو شيء يذاق فيستساغ، ولكن ماذا أريد؟ إن كان الشعر لا يرمي إلى النفع، أفيكون معنى هذا أنه لا ينفع ولا يفيد؟ أيكون الشعر حقيقا منا بالجهد والعناء؟ أخليقون نحن أن ننفق فيه من دهرنا شطرا يقصر أو يطول؟ أيجوز في هذا العالم الذي يحيط بنا اليوم، والذي ارتج لزعازع السياسة الهوج ارتجاجا عنيفا، أيجوز لنا إذ نعيش في عالم اعوجت فيه قوائم المجتمع وأعوزه الإصلاح، أن نزجي من فراغنا وقتا وأن نبذل من مجهودنا قسطا في دراسة الشعر؛ وإن فراغنا لقليل، وإن جهدنا لضئيل؟ فإن قال قائل: ولم لا؟ إن الشعر بعد العناء متاع بريء لا يضر ولا يؤذي، أستمتع به لاهيا كما يستمتع اللاعبون بالنرد والورق في أوقات الفراغ. فلنا أن نجيبه: أواثق أنت أن الشعر ليس بذي ضر ولا أذى؟ ألا يجوز أن يكون الغاوون وحدهم هم الذين يقرءون الشعر ويلهون به؟ إن الرجل من أوساط الناس إذا ازدرى الشعر فسيجد إلى جانبه إمام الشعراء يؤيده في قضيته ويشد أزره، سيجد «شيكسبير» يجري على لسان «هتسبير» هذه الأبيات:
Halaman tidak diketahui