إليه برياروس
Briareus
بأيديه المائة لمعونة الإله الأكبر، فإن هذه الخرافة ترينا أن الملوك حريون ألا يبالوا بانتقاض رعاياهم الأقوياء على سلطانهم ما أمكنهم بالرأي والتدبير أن يملكوا قلوب شعوبهم الذين ينضوون إليهم لمعونتهم.
وكذلك الخرافة التي تقول: إن أشيل تربى برعاية السنتاؤر شيرون، وهو نصف إنسان ونصف دابة، فإن هذه الخرافة تعلمنا ما أجاد ماكيافلي في شرحه وإن أفسده، حيث يتجلى أن تعليم الأمراء وتدريبهم ينبغي أن يتوخى فيهما اقتدار الأمير على القيام بدور الأسد في العنف والثعلب في الحيلة، كما يتوخى فيهما القيام بدور الإنسان في الفضيلة والعدالة.
على أنني أميل إلى الاعتقاد - في أشباه هذه الخرافات - أن الخرافة وضعت أولا، ثم جاء بعدها الشرح والتفسير، ولا أعتقد أن المغزى وضع أولا ثم جاءت بعده الخرافة، وقديما أولع الغرور كريسپس
Chrysippus
بإجهاد نفسه في عنت شديد؛ لتعليق آراء الفلاسفة الرواقيين على خرافات الشعراء الأقدمين.
أما أن جميع الخرافات والقصص التي نظمها الشعراء كانت لهوا، ولم تكن رموزا وعظات، فذلك ما أمسك عن إبداء الرأي فيه، ومن هؤلاء الشعراء الذين بقيت آثارهم هومير نفسه ... وقد جعله المتأخرون من أساتذة اليونانية ضربا من التنزيل! فلا صعوبة في القول بأن خرافاته لا تنطوي على دخائل المعاني التي تنسب إليها، وليس من السهل مع ذلك أن نجزم بمراميها؛ لأنه هو لم يكن مخترع الكثير منها.
وفي هذا الجزء الثالث من المعرفة - وأعني به الشعر - لا أستطيع أن أشير إلى نقص أو آفة، فإنه كالشجرة التي نبتت من شهوة الأرض بغير بذرة سابقة، فأصابت من النمو والجزالة ما لم تصبه شجرة أخرى، وعلينا أن نعطيها حقها ونوفي لها قسطها، ففي التعبير عن الخوالج، والأهواء، والمفاسد، والعادات نلجأ إلى آثار الشعراء أكثر من لجوئنا إلى آثار الفلاسفة، وليس التجاؤنا إليها بأقل كثيرا من التجائنا إلى آثار الخطباء في معارض الفطنة والفصاحة.
وبعد فلا يحسن بنا أن نسهب طويلا في هذا المجال، فلننتقل منه إلى مجال القضاء، فنقبل عليه ونستجليه بوقار أعظم وعناية أوفى.
Halaman tidak diketahui