وعلى الناس أن يسألوا الله السلامة كلما اضطربت دعامة من دعائم الدولة الأربع، وهي الدين والقضاء والمشورة والخزانة.
ولندع هذا الحديث عن علامات الفتن لنزيده إيضاحا فيما يلي، ونأخذ أولا في الحديث عن مادة الفتنة، ثم بواعثها ثم وسائل علاجها.
فأما مادة الفتنة فشيء لا غنى عن دراسته مذ كان خير الوسائل لاتقاء الفتنة، حيثما اتسع الوقت لاتقائها أن تنزع منها مادتها، ونحن لا نعلم - والوقود حاضر مهيأ للاشتعال - متى تنقدح الشرارة التي تلهب فيه النار.
وعلى هذا نقول: إن مادة الفتنة على نوعين: أحدهما الفاقة، وثانيهما فرط السخط والتذمر، وقد تبينت هذه الحقيقة من مراقبة الكثير من الدول الدائلة والأحوال الحائلة، وقد لاحظ الشاعر لوكان
Lucan
أحسن الملاحظة طوالع الفتنة في رومة قبل الحرب الأهلية، فقال: «وهكذا نجم الربا وجشع المغانم فضياع الأمانة فالحرب التي يرجو منافعها كثيرون.»
فالحرب التي يرجو منافعها كثيرون علامة صادقة لا تخطئ من علامات الدول التي تتحفز فيها الفتن والقلاقل، فإذا اقترنت هذه الزعازع المالية بالضنك والحاجة الملجة في الطبقة الفقيرة فالخطر داهم عظيم؛ لأن ألعن الثورات ثورة البطون.
أما عناصر السخط والتذمر فهي في البنية السياسية، مثلها مثل الأخلاط في البنية الجسدية، كلما طغت عليها الحمى في حرارة لا تطيقها.
ولا يكن هم الملوك يومئذ أن يقيسوا الخطر بمقدار ما في الشكاية من الحق والباطل؛ لأن ذلك معناه أن الشعوب تحتكم إلى العقل والرشد، وهي في أحيان كثيرة تطأ على منافعها بقدميها من حيث لا تدري.
ولا يكن من همهم كذلك أن يقيسوا الخطر بكبر الشكاية التي من أجلها يثورون أو صغرها، فإن أخطر الشكايات لتلك التي يربى فيها الخوف على الألم كما قال پيتي في رسائله: «إن الألم له حدود، أما الخوف فليس له حدود.»
Halaman tidak diketahui