وهنا اتجهت الأفكار إلى باكون صديق «إسكس» الحميم!
فهل اتجهت الأفكار إليه لإنقاذ صديقه الحميم والدفاع عنه، وتفريج فسحة النجاة بين يديه؟
لا، بل لتأييد التهمة وشد الوثاق الذي أرخاه كوك، أو حسبوا من قبل أنه سيرخيه!
فعمد خصوم اللورد إسكس، إلى الرجل الوحيد الذي ينبغي له أن يتنحى عن هذا العمل كائنا ما كان سر الدعوة إليه، فندبوه له وظفروا منه بقبوله بغير عناء.
ندبوا فرنسيس باكون لاتهام صديقه إسكس بالخيانة العظمى التي عقوبتها الموت، فأجاب!
ولم يحدث قط أن رجلا من هيئة المحاماة الاستشارية ندب لمثل هذه المهمة في قضية من قضايا السياسة العليا، ولم يندب باكون بعد ذلك في قضية أخرى على كثرة القضايا السياسية، التي أعقبت هذه القضية المشئومة.
فلماذا ندبوه؟ ولماذا أجاب؟
ندبوه لأنهم علموا أن اللورد المتهم محبوب بين سواد الأمة، فإذا جاءت تهمته من بعض أصحابه المقربين، فذلك قمين أن يفت في أعضاد المتشيعين، ويريهم أن إدانة الرجل أمر متفق عليه بين الأنصار والخصوم، وفيه ما فيه من غصة للعدو اللدود الذي يتعقبونه بالكيد والإيلام إلى الرمق الأخير، فليس أغص للمخذول من أن يخذله أعوانه ومريدوه.
أما هو فقد أجاب الدعوة - على ما يظهر - لأنها الفرصة السانحة لتحقيق الطمع الذي عز عليه منذ سنين؛ ولأنه قد برم بالناس والعهود وغشيته غاشية من التجني على بني آدم، فخيل إليه أنهم في معونتهم ومناوأتهم سواء لا يخدمون إلا مآربهم ولباناتهم، ولا يرضون إلا غرورهم وكبرياءهم، وأن إسكس نفسه قد خدمه وأعانه غلبة لخصومه؛ واعتزازا بمكانه ولم يخدمه للبر به والحدب عليه.
ولا نستبعد أن يدخل في حساب باكون وهو يقبل الدعوة إلى اتهام إسكس أن الحكم عليه - بالغا ما بلغ من الصرامة - متبوع بالعفو أو بالتخفيف لا محالة، لما يعلمه من عطف الملكة على اللورد المتهم؛ ورغبة الأمة في الصفح عنه.
Halaman tidak diketahui