اتباع لا ابتداع - قواعد وأسس في السنة والبدعة

Husam al-Din Affaneh d. Unknown

اتباع لا ابتداع - قواعد وأسس في السنة والبدعة

اتباع لا ابتداع - قواعد وأسس في السنة والبدعة

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

مصححة ١٤٢٥ هـ - ٢٠٠٤ م (بيت المقدس / فلسطين)

Genre-genre

اتباع لا ابتداع تأليف الأستاذ الدكتور حسام الدين بن موسى عفانه أستاذ الفقه والأصول كلية الدعوة وأصول الدين جامعة القدس

1 / 1

الطبعة الثانية مصححة بيت المقدس / فلسطين ١٤٢٥ هـ ٢٠٠٤ م طبع هذا الكتاب على نفقة فاعل خير جزاه الله خير الجزاء صف وتنسيق: حذيفة بن حسام الدين عفانه

1 / 2

بسم الله الرحمن الرحيم

1 / 3

أقوال في الاتباع والابتداع قال الله تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ سورة النور الآية ٦٣. وقال الله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾ سورة المائدة الآية٣. وقال النبي ﷺ: ﴿إن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة﴾ رواه مسلم. وقال النبي ﷺ: ﴿من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد﴾ رواه البخاري ومسلم. وفي رواية لمسلم: ﴿من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد﴾. وقال عبد الله بن مسعود ﵁: ﴿الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة﴾. وقال ابن مسعود أيضا: ﴿اتبعوا ولا تتبدعوا فقد كفيتكم﴾. وقال الإمام الأوزاعي: ﴿اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفو اعنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم﴾

1 / 4

مقدمة الطبعة الثانية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران الآية ١٠٢. ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء الآية ١. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ سورة الأحزاب الآيتان ٧٠ - ٧١. أما بعد، فهذه الطبعة الثانية لكتابي اتباع لا ابتداع، وقد قمت بتصحيح الأخطاء التي وقعت في الطبعة الأولى بقدر الوسع رغم ضيق الأوقات، وأرجو الله جل في علاه أن تتاح لي الفرصة مستقبلًا لزيادة موضوعات الكتاب وإلحاق مسائل جديدة به لم أتعرض لها فيما سبق. واسأل الله العظيم أن ينفع بهذا الكتاب طلبة العلم وأهله وعامة الناس إنه على كل شيء قدير، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين. كتبه أ. د. حسام الدين بن موسى عفانه بيت المقدس / أبوديس يوم الثلاثاء ٢١ شعبان ١٤٢٥هـ وفق ٥/ ١٠/٢٠٠٤ م

1 / 5

مقدمة الطبعة الأولى إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ سورة آل عمران الآية ١٠٢. ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ النساء الآية ١. ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ سورة الأحزاب الآيتان ٧٠ - ٧١. أما بعد، فإن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي، هدي محمد ﷺ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. وإن تحرير مسائل البدع والابتداع مما ينفع المسلمين في أمر دينهم ودنياهم وهو عون للدعاة والمصلحين على سعيهم للعودة بالناس إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ كما فهمها سلف هذه الأمة من الصحابة الكرام والتابعين والأئمة الأعلام. وقد رأيت بدعًا كثيرةً منتشرةً بين الناس في بلادنا وخاصة في المساجد حيث إن سكوت أكثر العلماء والمنتسبين للعلم الشرعي عنها جعل الناس يعتقدونها دينًا صحيحًا فرغبت في جمع معظم هذه البدع وبيان وجه بدعيتها ومخالفتها لشرع الله القويم وهدي النبي الكريم ﷺ فاستعنت بالله العظيم وسطرت هذه الصفحات في بيان

1 / 6

الأمور المبتدعات والتحذير منها والحث على إتباع السنن والمندوبات فقد صحت الأحاديث بالأمر بالإتباع والنهي عن الابتداع. وقد جعلت هذا الكتاب في فصلين: الفصل الأول تحدثت فيه عن أصول في السنة والبدعة فبدأت بذكر الآيات الكريمات والأحاديث النبوية والآثار السلفية التي تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع، ثم عرفت البدعة وبينت مناهج العلماء في ذلك واخترت ما اعتقدت أنه الصواب في هذا الباب وبينت أن الأصل الأصيل في باب العبادات هو إتباع النبي ﷺ وسقت الأدلة والبراهين على ذلك. ثم أعقبت ذلك بذكر تقسيمات للسنة وللبدعة ووضحت حكم الابتداع وأسبابه وأسباب انتشار البدع. وأما الفصل الثاني فجعلته لبيان البدع المنتشرة واقتصرت فيه على أهمها وأشهرها فبينت البدع المتعلقة بالأذان والنية والصلاة والدعاء والجمعة والعيدين والجنائز والاحتفالات والمواسم المبتدعة وغير ذلك وأعقبت ذلك بالحديث عن البدع المتعلقة بالمسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة، وبدع القراءة مما ستراه مفصلًا في هذا الكتاب. ثم أتبعت ذلك فهارس للآيات والأحاديث والآثار والمصادر وفهرسًا للمحتويات. وفي الختام فإني أعلم أن كثيرًا من المنتسبين للعلم الشرعي في هذه البلاد ما اعتادوا سماع مثل هذا الكلام لأنهم تربوا على التقليد وعلى بقاء القديم على قدمه ولأنهم لا يقدرون على مواجهة العوام الذين يعتبرون الحديث عن البدع على أنه دين جديد.

1 / 7

فينبغي أن يُعلم أن العوام لا شأن لهم في مسائل الأحكام وغيرها من مسائل الإسلام فلا عبرة بقولهم ولا يعتد به، ولا يلتفت إليه، ولا يعول عليه. وعلى العلماء وطلبة العلم الشرعي أن يبينوا للعامة أحكام الإسلام استنادًا لما في كتاب الله وسنة النبي ﷺ، وهذا ما حاولت الوصول إليه في هذا الكتاب فإن أصبت فالفضل لله أولًا وأخيرًا، وأن أخطأت فمن نفسي ومن الشيطان. وأخيرًا أسأل الله العظيم رب العرش العظيم، أن يجعل عملي هذا خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفعني به يوم يقوم الناس لرب العالين وصلى الله وسلم وبارك على محمد وآله وصحبه أجمعين. كتبه د. حسام الدين بن موسى عفانه أبوديس / القدس ضحى يوم الخميس الفاتح من صفر الخير ١٤٢٢ هـ وفق ٢٦ نيسان ٢٠٠١ م

1 / 8

الفصل الأول قواعد وأسس في السنة والبدعة

1 / 9

المبحث الأول الحث على إتباع السنة والتحذير من البدعة وبيان أسباب الابتداع أولًا: الآيات الكريمات التي تأمر بالإتباع وتنهى عن الابتداع: ١. قال الله تعالى: (وأن هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (١). قال القرطبي: [هذه آية عظيمة ... فإنه لما نهى وأمر وحذر هنا عن اتباع غير سبيله فأمر فيها باتباع طريقه] (٢). فالصراط المستقيم المذكور في الآية الكريمة هو سبيل الله الذي دعا إليه وهو السنة والسبل هي سبل أهل الاختلاف الحائدين عن الصراط المستقيم وهم أهل البدع والأهواء (٣). ٢. وقال الله تعالى: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (٤). قال الراغب الأصفهاني: [والمخالفة أن يأخذ كل واحد طريقًا غير طريق الآخر في حاله أو قوله] (٥). وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال: [سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال

(١) سورة الأنعام الآية ١٥٣. (٢) تفسير القرطبي ٧/ ١٣٧. (٣) انظر الإبداع ص ٩٢ - ٩٣. (٤) سورة النور الآية ٦٣. (٥) المفردات في غريب القرآن ص ١٥٦.

1 / 11

: يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال: من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله ﷺ فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل. قال: فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة. فقال: وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله ﷺ إني سمعت الله يقول: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)] (١). ٣. وقال الله تعالى: (وَمَاءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) (٢) ٤. وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (٣). فأمر الله ﷾ برد المتنازع فيه إلى قوله ﷻ وإلى قول الرسول ﷺ. ٥. وقال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (٤).

(١) الاعتصام ١/ ١٣٢. (٢) سورة الحشر الآية ٧. (٣) سورة النساء الآية ٥٩. (٤) سورة المائدة الآية ٣.

1 / 12

قال الإمام مالك ﵀: [ومن أحدث في هذه الأمة شيئًا لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله ﷺ خان الدين لأن الله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) فما لم يكن يومئذ دينًا لا يكون اليوم دينًا] (١). ولأن الله ﷾ أخبر بأن الشريعة قد كملت قبل وفاة النبي ﷺ فلا يتصور أن يجيء إنسان ويخترع فيها شيئًا لأن الزيادة عليها تعتبر استدراكًا على الله ﷾ وتوحي بأن الشريعة ناقصة وهذا يخالف ما جاء في كتاب الله (٢). ٦. وقال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبونَ اللَّهَ فَاتَّبعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٣). قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي: [تنبيه: يؤخذ من هذه الآية الكريمة أن علامة المحبة الصادقة لله ورسوله ﷺ هي اتباعه ﷺ فالذي يخالفه ويدعي أنه يحبه فهو كاذب مفتر إذ لو كان محبًا له لأطاعه ومن المعلوم عند العامة أن المحبة تستجلب الطاعة ومنه قول الشاعر: لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع] (٤). ٧. وقال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) (٥).

(١) الاعتصام ٢/ ٥٣. (٢) الموسوعة الفقهية ٨/ ٢٣. (٣) سورة آل عمران الآية ٣١. (٤) أضواء البيان ١/ ٢١٧، وانظر تفسير المنار ٣/ ٢٨٤. (٥) سورة الشورى الآية ٢١.

1 / 13

ثانيًا: الأحاديث النبوية التي تأمر بالاتباع وتنهى عن الابتداع: ١. عن جابر بن عبد الله ﵁ قال: (كان رسول الله ﷺ إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه حتى كأنه منذر جيش يقول: صبحكم ومساكم. ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى. ويقول أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدى محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) رواه مسلم (١). وفي رواية عند النسائي: [وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار] وهو حديث صحيح كما قال الشيخ الألباني (٢). ٢. وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: [خطَّ لنا رسول الله ﷺ يومًا خطًا ثم قال: هذا سبيل الله ثم خطَّ خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثم قال: هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» الآية، رواه الدارمي وأحمد والنسائي وقال الألباني: حديث صحيح (٣). ٣. وعن أبي نجيح العرباض بن سارية ﵁ قال: (صلى بنا رسول الله ﷺ صلاة الفجر ثم وعظنا موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل: يا رسول الله كأنها موعظة مودع فأوصنا. فقال: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافًا كثيرًا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن

(١) صحيح مسلم بشرح النووي ٢/ ٤٦٤. (٢) سنن النسائي ٣/ ١٨٨ - ١٨٩، صحيح سنن النسائي ١/ ٣٤٦. (٣) كتاب السنة ص ١٣، مشكاة المصابيح ١/ ٥٩، سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ٢/ ٢٤١.

1 / 14

كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) رواه أبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح ورواه أحمد وابن حبان، وهو حديث صحيح صححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي (١). ٤. وعن عائشة ﵄ قالت: (قال رسول الله ﷺ: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) رواه البخاري ومسلم (٢). وفي رواية لمسلم: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ) (٣). قال الحافظ ابن رجب الحنبلي: [وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام كما أن حديث " الأعمال بالنيات " ميزان للأعمال في باطنها وهو ميزان للأعمال في ظاهرها فكما أن كل عمل لا يراد به وجه الله تعالى فليس لعامله فيه ثواب فكذلك كل عمل لا يكون عليه أمر الله ورسوله فهو مردود على عامله وكل من أحدث في الدين ما لم يأذن به الله ورسوله فليس من الدين في شيء] (٤). ٥. وعن بلال بن الحارث ﵁ قال: (سمعت رسول الله ﷺ يقول: من أحيا سنة قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من الناس لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا ومن ابتدع بدعة لا ترضي الله ورسوله فإن له مثل إثم من عمل بها من

(١) عون المعبود ١١/ ٢٣٤، تحفة الأحوذي ٧/ ٣٦٥، صحيح ابن حبان ١/ ١٧٨، الفتح الرباني ١/ ١٨٨، المستدرك ١/ ٢٨٨. (٢) صحيح البخاري مع الفتح ٦/ ٢٣٠، صحيح مسلم مع شرح النووي ٣/ ٣٧٩. (٣) صحيح مسلم مع شرح النووي ٣/ ٣٨٠. (٤) جامع العلوم والحكم ص ٨١.

1 / 15

الناس لا ينقص ذلك من آثام الناس شيئًا) رواه الترمذي وابن ماجة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن. وقال البغوي: هذا حديث حسن. وصححه الشيخ الألباني (١). ٦. وعن أبي شريح الخزاعي قال: (خرج علينا رسول الله ﷺ فقال: أليس تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله؟ قالوا: بلى. قال: إن هذا القرآن طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا ولن تهلكوا بعده أبدًا) رواه الطبراني في الكبير بإسناد جيد وقال الشيخ الألباني: صحيح (٢). ٧. وعن ابن عباس أن رسول الله ﷺ خطب الناس في حجة الوداع فقال: إن الشيطان قد يئس أن يعبد بأرضكم ولكن رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحاقرون من أعمالكم فاحذروا إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدًا كتاب الله وسنة نبيه] رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد. وقال الشيخ الألباني: حسن ... وله أصل في الصحيح (٣). ٨. وعن أنس بن مالك ﵁ قال: (قال رسول الله ﷺ: إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته) رواه الطبراني وإسناده حسن وصححه الألباني (٤).

(١) سنن الترمذي مع شرحه عارضة الأحوذي ١٠/ ١٠٦ - ١٠٧، سنن ابن ماجة ١/ ٧٦، شرح السنة ١/ ٢٣٣، صحيح سنن ابن ماجة ١/ ٤١ - ٤٢. (٢) صحيح الترغيب والترهيب ص ٢٠ - ٢١. (٣) المصدر السابق ص ٢١، المستدرك ١/ ٢٨٤. (٤) المصدر السابق ص ٢٥ - ٢٦.

1 / 16

ثالثًا: الآثار الواردة عن السلف في لزوم السنة وذم البدعة: ١. عن عبد الله بن عمر ﵄ قال: [كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة] رواه البيهقي في المدخل وقال الشيخ الألباني: صحيح الإسناد (١). ٢. وعن عبد الله بن مسعود ﵁ قال: [الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة] رواه الدارمي والبيهقي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي وصححه الألباني (٢). ٣. وعنه أيضًا قال: [اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم] رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح كما قال الهيثمي ورواه الدارمي (٣). ٤. وعنه أيضًا قال: [اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وكل بدعة ضلاله] رواه أبو خيثم في كتاب العلم وقال الشيخ الألباني هذا إسناد صحيح (٤). ٥. وعنه أيضًا قال: [أيها الناس إنكم ستحدثون ويحدث لكم فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالأمر الأول] رواه الدارمي وصححه الحافظ ابن حجر وابن رجب الحنبلي (٥).

(١) إصلاح المساجد ص ١٣، وانظر البدعة وأثرها السيئ في الأمة ص ٤٢. (٢) الباعث ص ١٣، الأمر بالإتباع ص ٤٨، صحيح الترغيب والترهيب ص ٢١، سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ٢/ ٢٨٨. (٣) مجمع الزوائد ١/ ١٨١، سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ٢/ ٢٥٨. (٤) كتاب العلم ص ١٢٢. (٥) سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ٢/ ١٨٤، الأمر بالإتباع ص ٥٩ - ٦٠.

1 / 17

٦. وعنه أيضًا قال: [تعلموا العلم قبل أن يقبض وقبضه أن يذهب أهله ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع وعليكم بالعتيق] رواه الدارمي ومعمر في الجامع وابن عبد البر في جامع بيان العلم (١). ٧. وعن حذيفة ﵁ قال: [يا معشر القراء استقيموا فقد سبقتم سبقًا بعيدًا فإن أخذتم يمينًا وشمالًا لقد ضللتم ضلالًا بعيدًا] رواه البخاري. قال الحافظ: [قوله يا معشر القراء: المراد بهم العلماء بالقرآن والسنة العبّاد] (٢). ٨. وعنه ﵁ قال: [كل عبادة لم يتعبد بها أصحاب رسول الله ﷺ فلا تتعبدوا بها فإن الأول لم يدع للآخر مقالًا فاتقوا الله يا معشر القرآء خذوا طريق من كان قبلكم] رواه اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السنة، ومحمد بن نصر في السنة، وأبو نعيم وابن عساكر وذكره أبو شامة في الباعث وعزاه لأبي داود وكذلك فعل السيوطي وغيره وقال الشيخ الألباني لم أجده في السنن (٣). ٩. وقال أبو العالية: [عليكم بالأمر الأول الذي كانوا عليه قبل أن يفترقوا] ذكره ابن الجوزي وذكره السيوطي ورواه معمر في الجامع (٤).

(١) سنن الدارمي مع شرحه فتح المنان ٢/ ١١٥، المصنف لعبد الرزاق ١١/ ٢٥٢، جامع بيان العلم وفضله ١/ ١٥٢، وانظر الأمر بالإتباع ص ٥٩. (٢) صحيح البخاري مع الفتح ١٧/ ١٥. (٣) الباعث ص ١٥ - ١٦، الإتباع ص ٦٢، إصلاح المساجد ص ١٢، السلسلة الضعيفة ١/ ٣٧٤. (٤) تلبيس إبليس ص ٨، الأمر بالإتباع ص ٤٩، المصنف لعبد الرزاق ١١/ ٣٦٧.

1 / 18

١٠. وقال الأوزاعي: [اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم] ذكره ابن الجوزي والسيوطي (١). ١١. وقال عمر بن عبد العزيز ﵁: [سن رسول الله وولاة الأمر من بعده سننًا الأخذ بها تصديق بكتاب الله واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها. من عمل بها فهو مهتد ومن استنصر بها فهو منصور ومن خالفها اتبع غير سبيل المؤمنين وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرًا] رواه ابن عبد البر وذكره الشاطبي في الاعتصام وقال إنه كان يعجب مالكًا جدًا (٢). قال الشاطبي: [وبحق وكان يعجبهم فإنه كلام مختصر جمع أصولًا حسنة من السنة منها ما نحن فيه لأن قوله: ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها. قطع لمادة الابتداع جملة. وقوله: من عمل بها فهو مهتد. مدح لمتبع السنة وذم لمن خالفها بالدليل الدال على ذلك، وهو قول الله ﷾ : (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)] (٣). ١٢. وقال عمر بن عبد العزيز يوصي رجلًا: [أوصيك بتقوى الله والاقتصاد في أمره واتباع سنة نبيه ﷺ وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته ... فعليك

(١) تلبيس إبليس ص ٩، الأمر بالإتباع ص ٤٩. (٢) جامع بيان العلم وفضله ٢/ ١٨٧، الاعتصام ١/ ٨٧. (٣) الاعتصام ١/ ٨٧.

1 / 19

بلزوم سنته فإنها لك بإذن الله عصمة ...] رواه أبو داود، وقال الشيخ الألباني: صحيح مقطوع (١). ١٣. وعن الفضيل بن عياض ﵀ قال: [اتبع طرق الهدى ولا يضرك قلة السالكين وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين] ذكره الشاطبي والسيوطي (٢). ١٤. وعن عثمان الأزدي قال: [دخلت على ابن عباس ﵄ فقلت له أوصني. فقال: عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع] ذكره الخطيب في الفقيه والمتفقه، والبغوي في شرح السنه، وأبو شامة في الباعث، والسيوطي في الأمر بالاتباع (٣).

(١) سنن أبي داود مع شرحه عون المعبود ١٢/ ٢٣٨ - ٢٣٩، صحيح سنن أبي داود ٣/ ٨٧٣. (٢) الاعتصام ١/ ٨٣، الأمر بالإتباع ص ١٥٢. (٣) الفقيه والمتفقه ١/ ١٧٣، شرح السنة ١/ ٢١٤، الباعث ص ١٥، الأمر بالإتباع ص ٦١

1 / 20

المبحث الثاني تعريف البدعة لغة واصطلاحًا أولًا: تعريف البدعة لغة: قال ابن منظور: بدع الشيء يبدعه بدعًا وابتدعه أنشأه وبدأه ... البديع، والبدع: الشيء الذي يكون أولًا، وفي التنزيل: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) أي ما كنت أول من أرسل وقد أرسل قبلي رسل كثير. والبدعة: الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال، وأبدع وابتدع وتبدع: أتى ببدعة قال الله تعالى: (وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا) وبدَّعه نسبه إلى البدعة. واستبدعه: عده بديعًا. والبديع المحدث العجيب. والبديع: المبدع وأبدعت الشيء اخترعته لا على مثال. والبديع: من أسماء الله تعالى لإبداعه الأشياء وإحداثه إياها ...] (١). وقال الراغب الأصفهاني: [الإبداع إنشاء صنعة بلا احتذاء واقتداء ... والبديع يقال للمبدع نحو قوله: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ). وقوله تعالى: (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ) قيل معناه مبدعًا لم يتقدمني رسول ... والبدعة في المذهب إيراد قول لم يستن قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة وأماثلها المتقدمة وأصولها المتقنة] (٢).

(١) لسان العرب مادة بدع ١/ ٣٤١ - ٣٤٢. (٢) المفردات ص ٣٨ - ٣٩.

1 / 21