128
فكأن حلومهم نفخت فيها الأعاصير، يعوزهم ضبط النفس إذا صرح الشر، وترك الهوى إذا أمكن الأمر، بينما الأغيار وخصيه الشعوب الآرية، ولا سيما القادة وذوو الرئاسة وأولو الأمر منهم والمتصدون لسياسة الأمم، يحكمون عقولهم على قلوبهم، ويؤثرون مرافقهم على أهوائهم، ذوو رأي وتدبير وبصر بأعقاب الأمور، وأناة لا يطير الجهل في جنباتها، ولا ينزل الطيش بساحة من ساحاتها، وبذا بذوا الشرقيين، وأضحى هؤلاء لهم مسودين، ولو شاء الشرقيون أن يداركوا أمورهم، لداووا بكل الأشافي ألبابهم:
لولا العقول لكان أدنى ضيغم
أدنى إلى شرف من الإنسان •••
وإذا الرياسة لم تعن بسياسة
عقلية خطئ الصواب السائس
ثم قال الشيخ محمد عبده: وهذا على الرغم من أن الإسلام الذي يدينون به، ويزعمون أنهم مستمسكون بأدبه، كثيرا ما نهى عن اتباع الهوى، وحض على الاستمساك بالعقل والنهى، فقد اكتظ كتاب الله وأحاديث المصطفى - صلوات الله عليه - وما أثر عن السلف الصالح، من التنويه بالعقل والإشادة بذكره، والحض على اللجوء إليه، والاعتماد في سائر الأمور عليه، والكياسة، وحسن السياسة، والاعتصام بالتقوى، بما لا يعد ولا يحصى، وحسبهم قول الله جل شأنه:
ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ، والهوى كل ما تهواه النفس وتصبو إليه مما لا يتفق والعقل والنهى ... وقال - ولله المثل الأعلى - يعير قوما ويشنع عليهم ويسفههم ويصغي إناءهم:
129
إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس
Halaman tidak diketahui