Fiqh of Priorities in Contemporary Salafi Discourse After the Revolution
فقه الأولويات في الخطاب السلفي المعاصر بعد الثورة
Penerbit
دار اليسر للنشر والتوزيع
Nombor Edisi
الثانية
Tahun Penerbitan
١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
Lokasi Penerbit
مصر
Genre-genre
فقه الأولويات
في الخطاب السلفي المعاصر بعد الثورة
تأليف
د. محمد يسري إبراهيم
الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح
دار اليسر
Halaman tidak diketahui
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
الطبعة الثانية ١٤٣٣ هـ - ٢٠١٢ م
دار الكتب المصرية
فهرسة أثناء النشر إعداد الشئون الفنية
إبراهيم، محمد يسري.
فقه الأولويات في الخطاب السلفي المعاصر بعد الثورة
محمد يسري إبراهيم
القاهرة، دار اليسر ٢٠١٢م
ص، ١٧سم × ٢٤ سم.
تدمك ٩٧٨٩٧٧٥١٠٢١٨٨
١ - الإسلام - دعوات سلفية - مصر
٢ - السلفيون (دعاة)
أ- العنوان
دار اليسر
عضو اتحاد الناشرين المصريين
رقم الإيداع
٧٨٨٨/ ٢٠١٢
ترقيم دولي
٨ - ١٨ - ٥١٠٢ - ٩٧٧ - ٩٧٨
فقه الأولويات
في الخطاب السلفي المعاصر بعد الثورة
دار اليسر للنشر والتوزيع غير مسئولة عن آراء وأفكار وإنما يعبر الكتاب عن آراء مؤلفه، يمنع نسخ أو استعمال أي جزء من هذا الكتاب بأية وسيلة تصويرية أو إليكترونية أو ميكانيكية، ويشمل ذلك التصوير الفوتوغرافي والتسجيل على أشرطة أو أقراص مضغوطة أو استخدام أية وسيلة نشر أخرى، بما في ذلك حفظ المعلومات واسترجاعها، دون إذن خطي من الناشر
٢٠ ش عبد العزيز عيسى، المنطقة التاسعة
الحي الثامن، مدينة نصر، القاهرة.
تليفون: ٠٠٢٠٢٢٤٧٠٩٢٦٩
فاكس: ٠٠٢٠٢٢٤٧١٤٨٠١
محمول: ٠٠٢٠١٠٦٢٢٧٦٢٠٨
خدمة العملاء: ٠٠٢٠١١١٨٠٠٦٠٦٠
Email:alyousr@gmail.com
1 / 2
بِسْمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحِيمِ
1 / 4
مقدمة
الحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه، أما بعد:
فإن الحديث عن التيار السلفي المعاصر قد غدا بعد الثورات العربية شأنًا مهمًّا يفرض نفسه على مجالس الناس، ووسائل الإعلام في العالم بأسره، وهو حديث عن تيار متنامٍ ومترامي الأطراف، ومتعدد الصور والتجليات، ومتنوع المواقف والاجتهادات، وهذا الثَّراء يزيد من صعوبة دراسة أو بحث هذا التيار بجملته، وربما يَحُولُ هذا الاتِّساعُ دون توجيه خطاب واحد إلى مدارسه المختلفة، أو يمنعُ دون تعميمِ حكمٍ على إيجابياتٍ تُنسَبُ له، أو سلبياتٍ تُدَّعى في حقِّه! ومهما يكن من أمر فإن النقد الذاتيَّ، والنصح الداخلي للخطاب السلفي المعاصر في اللحظة الراهنة يُمَثِّلُ تسديدًا واجبًا، ودعمًا حقيقيًّا، لا يصح تجاهله، أو التشاغل عنه بحال، ومما يطرح هذا
1 / 5
العملَ ويدعو إليه - الآن بقوةٍ - تدشينُ حربٍ عالمية على السلفية في كل صِقْعٍ ومِصرٍ، بعد أحداثِ الحادي عشر من سبتمبر ٢٠٠١م، وهي حرب عالمية أيديولوجية ومسلكية في آنٍ واحد، وليس لها من سبب ظاهر إلا أن الجماعات والطوائف والرموز السلفيَّة "يهدفون إلى تطبيق الشريعة الإِسلامية! وينادُون بأن الإِسلام دينٌ ودولةٌ! " (١).
وقد استعملت في هذه الحرب ترسانةٌ من أسلحة التشويه والتشويش والتعويق والتشهير والمحاصرة والتضييق، حتى إذا أُحْكِمَتِ القبضةُ وظَنَّ الغربُ وحلفاؤهم في الداخل أنهم قادرون على الضربة القاضية انطلقَتِ الثوراتُ العربيةُ بإذن ربها! فَدَمَّرَتِ الإفكَ المفترى! وحطَّمَتْ أغلالَ الظلم والطغيان! وقيودَ الفسادِ والاستبدادِ! ووقف كثيرون مَشْدُوهِينَ أو ذاهلينَ واجمينَ! وهم يرقبون صعودَ القوى السلفيَّةِ التي تمالَؤُا عليها، وتقاسموا على تبييتها وأربابِهَا في ظل صمتٍ رهيبٍ فُرِضَ على الشعوب فَرْضًا! ومع أن المدَّ السلفيَّ قد أصبح حقيقةً واقعة، وظهر مشروعٌ سياسيٌّ لهذا التيار - وفي مصر تحديدًا - ليلحق بقاطرة الممارسة السلفية السياسية في الكويت والبحرين وغيرهما فإن الاجتماع على مراجعة الخطاب السلفي لتقويته من جهة، وتحريره من الملحوظات عليه من جهة أخرى يُعْتَبَرُ أولويةً حاضرةً الآن أمام المنتسبين إليه، والمحبين له على حدٍّ سواءٍ.
_________
(١) الفرصة السانحة، لنيكسون، (ص ١٥٣).
1 / 6
على أن عين المراقب لا تخطئ - بَعْدَ هذه الثورات العربية - أن طائفة من الشباب المنتسب إلى هذا التيار في أرجاء العالم العربي والإِسلامي يَجهرُ اليومَ بما كان يَهْمِسُ به أمسِ، وَيستعلِنُ الآنَ بما كان يُخفيه قبل آنٍ!
وبغض النظر عن صحة تلك الآراء والمواقف من عدمها؛ فإن هذه النظرات النقدية تحتاج إلى فحصٍ وتمحيصٍ، وتعامُلٍ بمنهجٍ سديدٍ ووعيٍ شديدٍ، وليتأتَّى من وراء ذلك الترشيد! وما من شكٍّ في أن ضَغْطَ القاعدة الشبابية اليوم للتطوير والتغيير بإيقاعٍ سريع متلاحِقٍ قد ينطوي على مخاطرة أو مغامرة - ولو في بعض المواقع على الأقل - كما أن التثاقل في الاستجابة الواعية للمطالب قد يُفضي إلى استفحالِ المثالبِ، أو إلى خسارةٍ فادحةٍ في القواعد! ومن هنا انطلقت هذه الدراسة المعاصرة؛ لتفتح بابًا إلى المناصحة والمراجعة، ولتأخذ بزمام المبادرة في وضع هذه الملحوظات على سُلَّمِ الأولوياتِ الحاضرةِ في اللحظة الراهنة، بما يُرجَى معه أن تتنبه قياداتُ العمل السلفي المعاصر في كل ميدان قبل أن تخسر بعضَ أبنائها، أو يتساقطَ في الطريق بعضُ رُوَّادِها، أو تفوتها فرصة سانحة لتحقيق أهدافها.
وعليه؛ فإن التيارَ السلفيَّ المعاصر مدعوٌّ اليوم - وفي ظل هذه الملحوظات - إلى أن يعيد تطويرَ نفسِهِ، وأن يجدِّدَ في أساليبه وطَرْحِهِ، وأن يسعى بجهده إلى أن يحدِّدَ مواقفَ أكثرَ وضوحًا وتفصيلًا، في قضايا كان الموقف منها مجملًا أحيانًا، ومترددًا أحيانًا أخرى!! كما يُرْجَى - في خاتمة المطاف - أن يخرج التيار السلفي من
1 / 7
حالة الانقسام إلى حال الاجتماع والوئام، وأن يَبْرُزَ كيانٌ عالمي يمثل هذا التيارَ، وينسق بين مجموعاته وجمعياته بما يمهد لقيام مرجعية سلفية عالمية، تَضبِطُ الاجتهاداتِ، وتتدارك الملحوظاتِ، وتُسدد المسيرةَ، وتُصحح الأخطاءَ الإداريةَ والمنهجيةَ التي تَصدر من بعض التجمعات السلفية هنا أو هناك، كما يَسعى لحلِّ الخلافاتِ السلفية، وإيجادِ المخارجِ الشرعية للمشاكلِ والنوازِل الاقتصادية والسياسية والاجتماعيةِ المُحْدِقَةِ بمجتمعات المسلمين اليوم، لا سيما بعد ارتفاعِ سقفِ الحرية، وسقوطِ الأنظمةِ الديكتاتورية، وهذا بدوره يُمهد إلى الخروج من ضِيقِ التحَزُّباتِ الجزئية إلى سَعَةِ الأمة الجامعة، ويعين على الانتقال من انتماء الوسائل إلى انتماء الغايات، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء: ٩٢].
وبناءً على ما سبق فقد جاءت هذه الدراسةُ معتمِدَةً منهجًا توصيفيًّا، وخطابًا نقديًّا للحالة السلفية الراهنة - في مصرَ خاصة، وفي الوطن الإِسلامي عامة - ثم تفكيرًا ارتياديًّا للخروج من تلك المضايق، بوضع أولويات الخطاب السلفي المعاصر أمام أهله ورواده اليوم.
وقد اكتملت هذه الدراسة عبر فصولٍ أربعةٍ، تناول الأوّل منها: مفهوم الخطاب السلفي المعاصر، وتناول الثاني: لماذا الحديث عن أولويات الخطاب السلفي؟، فيما بحث الفصل الثالث: مشكلات الخطاب السلفي وعوائقه، وانتهى الفصل الرابع والأخير إلى تقديم أولويات متعددة المجالات، ومتنوعة
1 / 8
التخصصات والسمات؛ ليدخل من خلالها التيارُ السلفيُّ إلى مرحلةٍ تاريخيَّةٍ بالغةِ الخطورةِ في إثبات جدارتهِ وأهليته للقيادةِ والريادةِ، وحملِ التبعة، والقيامِ بالأمانة في هذه الأمة.
وَفَّقَ اللهُ تعالى الدعاةَ الحداةَ، والعلماءَ الهداةَ من كلِّ اتجاهٍ لإقامة ديينا، وتَرْكِ التفرُّقِ في مِلَّتِنا، وجَمَعَ على الحقِّ كلمتَنا، وهدَى مسيرتَنَا، وسَدَّدَ أعمالنا، وأعانَ على ذكره وشكره وحسنِ عبادته، وجَعَلنا وأمتنا الحبيبة أهلًا للنصر والتمكين، إنه أكرمُ الأكرمين، وأرحمُ الراحمين، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
وكتبه
د. محمد يسري إبراهيم
الأمين العام للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح
القاهرة: الاثنين ٢/ ٦/ ١٤٣٣ هـ
الموافق ٢٣/ ٤/ ١٢٠١٢ م
1 / 9
الفصل الأول
مفهوم الخطاب السلفي
وخصائصه وأولوياته
1 / 11
مفهوم الخطاب السلفي، وخصائصه وأولوياته
تحديد مفهوم الخطاب السلفي اليوم من الأهمية بمكان، وهو فرع عن تحديد مفهوم الخطاب الإِسلامي، وما يشمله هذا المصطلح من ممارسات، ثم من الذين يخاطبون باسم التيار السلفي دون غيرهم؟ وما هي أهم خصائصهم ومميزاتهم؟ وأخيرًا فلا بد من تحديد مفهوم الأولويات بشكل عام، وفقه الأولويات في الخطاب الإِسلامي بشكل خاص، وهذا ما يحاول هذا الفصل أن يلقي أضواءً عليه، ويحاول الإجابة عن تساؤلاته، وذلك عبر المباحث التالية:
1 / 13
المبحث الأوّل
مفهوم الخطاب الإسلامي السلفي
في لغة العرب يدور مفهوم الخطاب والمخاطبة على مراجعة الكلام، وتوجيهه إلى الأنام بقصد الإفهام، فكل كلام لا يراد به الإعلام والإفهام لا يعتبر خطابًا في لسان العرب.
وقد يطلق الخطاب ويراد به مضمون الكلام ومحتواه، وقد يطلق ويراد به الطريقة التي يُؤدَّى بها الكلام؛ ولهذا سُمِّي الكلامُ المنثور المسجوع خطبة (١).
وقد وردت لفظة: (خطاب) في كتاب الله تعالى في ثلاثةِ مواضعَ، هي: قوله تعالى: ﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا﴾ [النبأ: ٣٧]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٣]، وقوله تعالى: ﴿وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ﴾ [ص: ٢٠].
وفصل الخطاب هو فرقان ما بين الحق والباطل والصواب والخطأ، وهو بحسب سياق الآية الكريمة قد اقترن بالحكمة؛ فيه يُتَبَيَّنُ الحق على الوجه الذي ينبغي.
ومصطلح الخطاب الإِسلامي، أو المديني مُرَكَّبٌ وصفيٌّ غَدَتْ له دلالة معاصرة تَتَّسع - لدى البعض - لتشمل الدعوة الإِسلامية
_________
(١) لسان العرب، لابن منظور، (١/ ٣٦٠ - ٣٦١).
1 / 14
بمناشطها المتنوعة، ووسائلها المتعددة، ومناهجها المختلفة (١).
وقريب من هذا المنحى التعبير عن الخطاب الإِسلامي بأنّه البيان الذي يوجه باسم الإِسلام إلى الناس؛ مسلمين، أو غير مسلمين، لدعوتهم إلى الإِسلام، أو تعليمه لهم، وتربيتهم عليه، عقيدةً وشريعةً، عبادةً ومعاملةً، فكرًا وسلوكًا، أو لشرح موقف الإِسلام من قضايا الحياة والإنسان والعالم: فرديةً أو اجتماعيةً، روحيةً أو ماديةً، نظريةً أو عمليةً (٢).
وعليه؛ فإن الخطاب الإِسلامي المقصود هنا أعمُّ من المضمون والشكل، وأوسع من القول أو الفعل، وأشمل من التحرك الجماعي أو الفردي، وأدخل في الحياة بمناشطها السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وذلك بشرط استناده إلى الإِسلام في قاعدة المرجعية، وارتباطه بعلوم الكتاب العزيز، والسنة النبوية المطهرة.
والخطاب الإِسلامي على هذا النحو مهيعٌ فسيحٌ وميدانٌ وسيعٌ، تتنوع أشكاله، وتتعدد صوره وألوانه، وتتغير وسائله وأدواته بتغير الزمان والمكان وبني الإنسان! قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ [إبراهيم: ٤].
_________
(١) الخطاب الإِسلامي بين الأصالة والمعاصرة، د. عبد العزيز التويجري، الموقع الإلكتروني. للمنظمة الإِسلامية للتربية والعلوم والثقافة.
(٢) خطابنا الإِسلامي في عصر العولمة، د. يوسف القرضاوي، (ص ١٥).
1 / 15
فهو خطاب يمتدُّ رُوَاقُهُ ليشمل الخَلْقَ جميعًا، ويتناول القضايا جميعًا! وهذا الخطاب هو دعوة النبيين والمرسلين، وسبيل البلاغ المبين، ومظهر تجديد الدين، وبرهان خيرية الأمة المحمدية، وسبب إقامة الشهادة على البشرية، وطريق الفلاح والنجاح للبرية.
وإذا أُضيف الخطابُ الإِسلاميُّ إلى السلف، أو وُصِف بأنه سلفي فقد أضيف إلى أشرفِ نسبةٍ، وَوُصِفَ بأكملِ نعتٍ؛ فإن ترسُّم منهج السلف من الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان هو عين منهج النجاة والعصمة، وأساس طريق الهدى والرحمة، ومهيع الاتباع والاجتماع، وضمانة من الفرقة والابتداع، وسبب الازدهار والاستقرار، وتتابع الخيرات والبركات، وتحقيق التمكين لهذا الدين، وظهوره بالحجة والبيان، ونصره بالسيف والسنان! ومن وراء ذلك كله مرضاة الرحمن، والفوز بالجنان! قال تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٠] وكل خطاب انتسب أصحابُهُ إلى هذا المنهج المبارك بحقٍّ فقد استحق هذه النسبة، وتشرف أصحابه بهذه التسمية، وإن لم
1 / 16
يَدَّعوها، فكل من قام بمقتضيات هذه الدعوة الشريفة بصدقٍ فقد صار من أربابها، وإن لم يرفع لها شعارًا، أو يرتدي لها رداءً! وليس لأحدٍ - مهما علا في هذا المنهج قَدْرُهُ - أن يحتكر هذه النسبة لنفسه، أو أن يَحْرِم منها غيره، فلا يكافئ بها محبَّهُ، ولا يمنعها من مُبْغِضِهِ! فليس ثمة فردٌ ولا جماعةٌ متحزبة تمثل السلفية بمعناها الشرعي، وإنما قد يوجد من ينتسب إليها، ويسعى أن يحيا بمنهجها، وقد يصيب، وقد يخطئ، وأخطاؤه لا تنسب إلى المنهج، ولا إلى غيره من الأفراد أو الدعوات التي انتسبت إلى ذات المنهج.
1 / 17
المبحث الثاني التيار السلفي ... النشأة والتطور
" السلفية" نسبة إلى السلف، ومعنى "السلف" في اللغة يدور حول المتقدم والسبق، فالسلف هم الذين مَضَوا، والقومُ السُّلَّافُ هم المتقدمون (١).
وأما "السلف" في الاصطلاح فيطلق على المتقدمين من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وهم المذكورون في حديثه ﷺ: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" (٢).
ومذهب السلف هو مذهب الصحابة الكرام، والتابعين وتابعيهم من الأئمة المذكورين المشهورين (٣).
ثم إن كل من التزم بعقائد وأصول هؤلاء الأئمة كان منسوبًا إليهم، وإن باعدت بينه وبينهم الأماكن والأزمان، وكل من خالفهم فليس منهم، وإن عاش بين أظهرهم، وجمعه بهم نفس المكان والزمان (٤).
"ولقد بدأت الحاجة إلى الانتساب للسلف حين تَفَرَّقَتِ الأمةُ الإِسلامية، وتعددتِ الاتجاهاتُ الفكرية فيها حول أصول الدين،
_________
(١) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، (٣/ ٩٥).
(٢) أخرجه البخاري، (٦٦٩٥)، ومسلم، (٢٥٣٥) من حديث عمران بن حصين ﵁.
(٣) لوامع الأنوار، للسفاريني، (١/ ٢٠)، العقائد السلفية بأدلتها العقلية والنقلية، لأحمد بن حجر آل بوطامي، (ص ١١).
(٤) العقيدة الإِسلامية بين السلفية والمعتزلة، د. محمود خفاجي، (ص ٢١).
1 / 18
مما دعا علماءَ الأمة الأثبات وأساطينها الأعلام لتجريد أنفسهم لتلخيص وترتيب الأصول العظمى، والقواعد الكبرى للاتجاه السلفي، والمعتقد القرآني النبوي، ومن ثم نسبته إلى السلف الصالح، لقطع الباب على كل من ابتدع بدعة اعتقادية، وأراد نسبتها إليهم، حتى كانت النسبة إلى السلف رمزًا للافتخار، وعلامةً على العدالة في الاعتقاد، مما يدل على أن النسبة إلى السلف لم تكن بدعةً لفظيَّةً، ولا مجرَّدَ اصطلاحٍ كلاميٍّ، لكنه حقيقة شرعية ذاتُ مدلول محدد، ولذلك لم تؤصَّلْ قواعده، ولم تحرَّرْ موارده، إلا بقيام الحاجة في الأمة لبيانٍ متكاملٍ الصورةِ عما كان عليه أهل القرون المفضلة، المشهود لهم بالعدالة من طريقة عقدية، وسيرة توحيدية" (١).
فالانتساب إلى أهل السنة والجماعة والسلف الصالح، يعني: الانتساب إلى الإِسلام الصافي عن شوائب البدع، ومخالفات الفِرَقِ.
وإنَّ كل من رضي بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا، وبمحمد ﷺ نبيًّا ورسولًا، مقبلًا على الالتزام بالإِسلام جملة، وعلى تحكيم شريعته استسلامًا وانقيادًا، وبرئ من تبني مذهب بدعي، أو
_________
(١) نظريات شيخ الإِسلام في السياسة والاجتماع، للمستشرق الفرنسي هنري لاوست، (ص ٣٢).
1 / 19
الانتسابِ إلى فرقة ضالة، أو اعتمادِ أصلٍ كليٍّ من أصول البدع، فهو من أهل السنة والجماعة إجمالًا، وهذا يشمل عوامَّ المسلمين الذين لم ينضووا تحت راية بدعية، ولم يكثِّروا سوادَ فرقةٍ غيرِ مرضية.
فهذا القَدْرُ يحقق انتسابًا إجماليًّا تصحُّ به النسبة إلى أهل السنة والجماعة.
فالنسبة إلى السلف هي نسبة إلى أهل السنة والجماعة الذين تميزوا عن غيرهم بفهمهم لكتاب ربهم، وسنة نبيهم بفهم سلفهم الصالح، من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، ﵃ أجمعين.
وعليه؛ فإن الدعوة إلى اتباع السلف، إنما هى دعوة إلى الإِسلام والسنة، ولا غضاضة في ذلك، بحال من الأحوال.
قال شيخ الإِسلام ﵀: "لا عيب على من أظهر مذهب السلف، وانتسب إليه، واعتزى إليه، بل يجب قبول ذلك منه؛ فإن مذهب السلف لا يكون إلا حقًّا" (١).
والحديث عن السلفيين في الواقع المعاصر هو حديث عن أفراد وجماعات، فمنهم: أفراد معتبرون يمثلون مرجعيات علمية أحيانًا، وقيادات عملية شعبية أحيانًا أخرى، وفي كثير من الأحوال يكون لهؤلاء وأولئك من يلوذ بهم من العامة، ومن يتلقَّى عنهم من طلبة
_________
(١) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (٤/ ١٤٩).
1 / 20
العلم، ومنهم: جماعات بعضها منظم تُرخِّصُ بعضُ الدول بوجودها، وتُقَنِّنُ أعمالها، بل وتتعاون معها أحيانًا! وجماعات أخرى منظَّمة لا تُقِرُّ بعضُ الدول بقانونيتها، بل وَتُضَيِّقُ عليها غالبًا! وبالجملة فالظاهرة السلفية المعاصرة لا تخرج - في الغالب وبالاستقراء - عن أشكال أربعة:
١ - جماعات وجمعيات منظَّمة ومرخَّصة رسميًّا.
٢ - جماعات منظَّمة غيرُ مرخَّصة.
٣ - مشايخُ علمٍ وتربية ترتبط بهم جموع من الطلاب، والخاصَّة.
٤ - مشايخُ خطابةٍ ودعوة تجتمع عليهم العامة، وجمهور الأمة.
والأمثلة كثيرة ماثلة للعيان في طول العالم الإِسلامي وعرضه لهذه الأنماط الأربعة، وكثيرًا ما وُجدت تلك الصور جميعًا في البلد والقطر الواحد.
وعن هذه الصور تصدر أنشطة شتى، وتأتلف جموع كبرى، ويجري نهرُ خيرٍ دافقٌ في الأمة بأسرها.
1 / 21
المبحث الثالث
خصائص التيار السلفي المعاصر
يتمتع التيار السلفي الواسعُ الأطيافِ بخصائصَ كثيرةٍ تجعل له أهميةً بالغةً، ومن بين تلك الخصائص:
أولًا: المرجعية العلمية والولاية الشرعية:
يتميز التيار السلفي المعاصر في الجملة بتربُّعِهِ على عرش المرجعية الشرعية، وتهَيُّئِهِ لولاية الأمور العلمية، وعنايَتهِ بالشئون التعليمية؛ يتجلى ذلك في المساجد والفضائيات، والمعاهد الشرعية، والجامعات، وتصدِّي رموزهِ للفُتْيَا والدعوة والإرشاد، سواء في ذلك من انخرط منهم في المؤسسات الدينية للدولة، أو من بقي داخل دوائر العمل الخيرية والأهلية.
ثانيًا: الثبات المنهجي والاستقرار الفكري:
إنه - وبشكل عام - قد يتميز السلفيون في جملتهم بالمرابطة على الثغور المنهجية، وحراسة الثوابت العلمية والعملية، وصيانة منهج أهل السنة والجماعة، والتصدي للمناهج الزائفة والمذاهب المنحرفة، ومقاومة تيارات البدع، والإلحاد، والتغريب، والعلمنة جميعًا. ثالثًا: الثراء في الكفاءات والتنوع في القيادات: تتنوع القيادات السلفية - داخل هذا التيار - من القيادات
1 / 22
العلمية الشرعية إلى العلمية التقنية، ومن الدعوية إلى الاجتماعية، ومن الإدارية إلى السياسية، ومن الاقتصادية إلى القانونية، فلا يكاد يخلو مجال إلا وللتيار السلفي فيه حضور بكفاءات ثرية، وقيادات غنية، على تفاوُتٍ ملحوظ في الأعداد بين هذه المجالات.
رابعًا: الحضور الإعلامي العام: وقد تمثَّل هذا بقوة في العقد المنصرم، حيث لا تخلو فضائية عربية - دينية أو غير دينية - من وجود ملحوظ لهم، ومن مشاركة معلومة، ومن أنشطة وجهود مشهورة ومشكورة، وقد انفتح المجال الإعلامي واسعًا بعد الثورات العربية ليلج السلفيون إلى آفاق رحيبة في التواصل من خلال الصحف المقروءة، والمجلات السَّيَّارة، والقنوات الفضائية الطيّارة! خامسًا: القدرة على الحشد الجماهيري: يتمتع التيار السلفي - عند اجتماع طوائفه وحال اتفاق رموزه - بزَخَمٍ شعبي، ومقدرة هائلة على الحشد الجماهيري، بدا هذا واضحًا في دروس جماهيرية، ومؤتمراتٍ حاشدةٍ، وملتقياتٍ موسعة، ووقفات ثورية مليونية مشهودة، وإن كانت هذه المقدرة إنما تتحقق عند اجتماعه على قضية اتفاقية، وليست خلافية.
سادسًا: صعود سياسي متنامٍ: ويبدو هذا الصعود على مستوى تجارب برلمانية اكتملت في الكويت والبحرين وباكستان وغيرها، وعلى مستوى تجارب
1 / 23