وأنشَدتُ فيما بيني وبين نفسي وردّدت قول الطائي: [من الوافر]
فلو صوَّرت نفسك لم تزدها ... على ما فيك من كرم الطّباع
وثنّيت بقول كشاجم: [من الكامل]
ما كان أحوج ذا الكمال إلى ... عيبٍ يُوَقِّيه من العينِ
وثلّثت بقول المتنبي: [من الوافر]
فإن تَفُقِ الأنامَ وأنتَ منهم ... فإنَّ المسكَ بعض دمِ الغزالِ
ثمَّ استعرتُ فيه لسان أبي إسحاق الصابي حيث قال للصاحب - ورَّثه الله أعمارها كما ورَّثه في البلاغة أقدارهما: [من السريع]
الله حسبي فيك من كلِّ ما ... يُعَوِّذُ العبدُ به المَولى
ولا تَزل تَرفُلُ في نعمةٍ ... أنت بها من غيرك الأولى
وما أنسَ لا أنسَ أيامي عنده بفيروزأباد إحدى قراه برستاق جُوَين سقاها الله ما يَحكي أخلاق صاحبها من سَبَل القَطر فإنا كانت بطلعته البدريَّة وعشرته العطريَّة وآدابه العلويَّة وألفاظه اللؤلؤية مع جلائل إنعامه المذكورة ودقائق إكرامه المشكورة وفوائد مجالسه المعمورة ومحاسن أقواله وأفعاله التي يعيا بها الواصفون. أنموذجات من الجنّة التي وعد المتقون فإذا تذكرتُها في تلك المرابع التي هي مراتع النواظر والمصانع التي هي مطالع العيش الناضر والبساتين التي إذا أخذت بدائع زخارفها ونشرت طرائف مطارفها١ طُوِيَ لها الديباج الخُسرَواني ونُفيَ معها الوَشيُ الصَّنعانيُّ فلم تُشَبَّه إلا بِشِيَمِه وآثار قلمه وأزهار كَلمِه تذكرت سَحَرًا ونسيمًا وخيرا عميمًا وارتياحًا مُقيما وروحًا وريحانًا ونعيمًا.
وكثيرًا ما أحكي للإخوان والأصدقاء: أني استغرقت أربعة أشهر هناك بحضرته وتوفَّرت على خدمته ولازمت في أكثر أوقات الليل والنهار عاليَ مجلسه وتعطّرتُ عند ركوبه بغبار موكبه. فبالله أقسم يمينا قد كنت عنها غنيا وما كنت أوليها لو خِفتُ حِنثًا فيها أني ما أنكرت طَرَفا من أخلاقه ولم أشاهد إلا مجدًا وشرفًا من أحواله وما رأيته اغتاب غائبا أو سَبَّ حاضرا أو حَرَم سائلا أو خيَّب آملا أو أطاع سلطان الغضب والحَرَد أو تَصَلَّى بنار الضَّجر في السفر أو بَطَشَ بَطْشَ المُتَجَبِّر وما وجدت المآثر إلا ما يتعاطاه ولا المآثم إلا ما
_________
١ المطرف: رداء من خز مربع ذو أعلام القاموس ١٠٧٥.
1 / 18