Fiqh As-Seerah
فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة
Penerbit
دار الفكر
Edisi
الخامسة والعشرون
Tahun Penerbitan
١٤٢٦ هـ
Lokasi Penerbit
دمشق
Genre-genre
بالخيل وتبعه عكرمة، فحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم وأميرهم، وأخذوا يهجمون على المسلمين من الخلف «٢٣» .
وحينئذ انكشف المسلمون وداخلهم الرعب، وأخذ المسلمون يقتتلون على غير شعار أو هدى، وأوجع المشركون في المسلمين قتالا ذريعا، حتى خلص إلى رسول الله ﷺ فرمي بالحجارة حتى رمي لشقه، وأصيبت رباعيته (السّن المجاورة للنّاب) وشجّ في وجهه، وجعل الدم يسيل على وجهه فيمسحه وهو يقول: «كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيّهم وهو يدعوهم إلى ربّهم؟»، وجاءت فاطمة ﵂ تغسل عنه الدم وعليّ يسكب الماء بالمجن، فلما رأت أن الماء لا يزيد الدم إلّا كثرة أخذت قطعة حصير فأحرقته حتى صار رمادا ثم ألصقته بالجرح فاستمسك «٢٤» .
وأثناء ذلك شاع في الناس أن رسول الله ﷺ قد قتل، وكانت هذه الشائعة من أشدّ ما أدخل الرعب في قلوب بعض المسلمين، وهي التي جعلت ضعاف الإيمان يقولون: «فما مقامنا هنا إذا كان قد قتل الرسول؟»، وذهبوا يولون الأدبار، وهي التي جعلت أنس بن النضر يقول: «بل ما فائدة حياتكم بعد رسول الله ﷺ، ثم أشار إلى بعض المنافقين وإلى ضعاف الإيمان قائلا: اللهم إني أبرأ إليك مما يقول هؤلاء، وأعتذر إليك مما يقول هؤلاء، وانطلق فشدّ بسيفه على المشركين حتى قتل» «٢٥» .
وتجلّى في هذه الأثناء مظهر رائع للتضحية والفداء ممن كانوا حول رسول الله ﷺ من الصحابة فراحوا يقدمون أرواحهم رخيصة دون رسول الله ﷺ حتى قتل معظمهم.
روى البخاري أنه لما كان يوم أحد، انهزم الناس عن النّبي ﷺ، وأبو طلحة بين يدي النّبي ﷺ مجوّب عليه (مترّس بنفسه عليه) بجحفة له (ترس من جلد)، وكان أبو طلحة رجلا راميا شديد النزع. يشرف النّبي ﷺ ينظر إلى القوم، فيقول أبو طلحة: «بأبي أنت وأمي لا تشرف، يصيبك سهم من سهام القوم، نحري دون نحرك» «٢٦» .
وترّس أبو دجانة نفسه دون رسول الله ﷺ، والنّبل يتلاحق في ظهره وهو منحن على رسول الله ﷺ لا يتحول. وترّس زياد بن السكن نفسه دون رسول الله ﷺ حتى قتل هو وخمسة من أصحابه، وكان آخرهم على ما رواه ابن هشام عمارة بن يزيد بن السكن، فقاتل دونه
(٢٣) طبقات ابن سعد: ٣/ ٨٣. ورواه البخاري عن البراء في كتاب الجهاد: ٥/ ٢٨
(٢٤) متفق عليه بألفاظ متقاربة.
(٢٥) متفق عليه.
(٢٦) البخاري: ٥/ ٣٣
1 / 175