108

Fiqh As-Seerah

فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة

Penerbit

دار الفكر

Nombor Edisi

الخامسة والعشرون

Tahun Penerbitan

١٤٢٦ هـ

Lokasi Penerbit

دمشق

Genre-genre

إليه ﷾، والطمع منه في عافيته ومعونته، ولعله خشي أن يكون الذي يلاقيه إنما هو بسبب غضب من الله عليه لأمر ما. ولذلك كان من جملة دعائه قوله: «إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي» . فجاءت ضيافة الإسراء والمعراج من بعد ذلك تكريما من الله تعالى له، وتجديدا لعزيمته وثباته، ثم جاءت دليلا على أن هذا الذي يلاقيه ﵊ من قومه ليس بسبب أن الله قد تخلّى عنه، أو أنه قد غضب عليه، وإنما هي سنّة الله مع محبيه ومحبوبيه. وهي سنّة الدعوة الإسلامية في كل عصر وزمن. ثالثا: المعنى الموجود في الإسراء به ﷺ إلى بيت المقدس. إن في الاقتران الزمني بين إسرائه ﵊ إلى بيت المقدس والعروج به إلى السموات السبع، لدلالة باهرة على مدى ما لهذا البيت من مكانة وقدسية عند الله تعالى. وفيه دلالة واضحة أيضا على العلاقة الوثيقة بين ما بعث به كل من عيسى بن مريم ومحمد بن عبد الله عليهما الصلاة والسلام، وعلى ما بين الأنبياء من رابطة الدين الواحد الذي ابتعثهم الله ﷿ به. وفيه دلالة على مدى ما ينبغي أن يوجد لدى المسلمين في كل عصر ووقت، من الحفاظ على هذه الأرض المقدسة، وحمايتها من مطامع الدخلاء وأعداء الدين، وكأن الحكمة الإلهية تهيب بمسلمي هذا العصر أن لا يهنوا ولا يجبنوا ولا يتخاذلوا أمام عدوان اليهود على هذه الأرض المقدسة، وأن يطهروها من رجسهم، ويعيدوها إلى أصحابها المؤمنين. ومن يدري؟ فلعل واقع هذا الإسراء العظيم هو الذي جعل صلاح الدين الأيوبي ﵀ يستبسل ذلك الاستبسال العظيم ويفرغ كل جهده في سبيل صدّ الهجمات الصليبية عن هذه البقعة المقدسة حتى ردهم على أعقابهم خائبين. رابعا: وفي اختيار النّبي ﷺ اللبن على الخمر حينما قدمها له جبريل ﵇ دلالة رمزية على أن الإسلام هو دين الفطرة، أي الدين الذي ينسجم في عقيدته وأحكامه كلها مع ما تقتضيه نوازع الفطرة الإنسانية الأصيلة، فليس في الإسلام شيء مما يتعارض والطبيعة الأصيلة في الإنسان ولو أن الفطرة كانت جسما ذا طول وأبعاد، لكان الدين الإسلامي الثوب المفصل على قدره. وهذا من أسرار سعة انتشاره وسرعة تقبّل الناس له. إذ الإنسان مهما ترقى في مدارج الحضارة وغمرته السعادة المادية، فإنه يظل نزاعا إلى استجابة نوازع الفطرة لديه، ميالا إلى الانعتاق عن

1 / 113