كلها، واستطاع أن يشرحها، أو فهم نصفها أو ربعها واستطاع أن يشرحه، فأنا المخطئ ومن يرد علي هو المصيب.
أنا لا أطلب أن يكون فينا من يؤلف مثل الكامل وأدب الكاتب والأمالي، بل أطلب أن يكون فينا من يقرؤها بلا لحن، ويفهم ما فيها بلا شرح.
إن اللغة العربية معجزة الذهن البشري، وأعجوبة التاريخ في عصوره كلها، وإذا كان التاريخ يذكر ولادة كل لغة، ويعرف مراحل نموها، ومدارج اكتمالها، فإن العربية أقدم قدمًا من التاريخ نفسه فلا يعرفها إلا كاملة النمو، بالغة النضج. فمتى ولدت؟ ومتى كانت طفولتها؟ ومتى تدرجت في طريق الكمال حتى وصلت إلينا كاملة مكملة لم تحتج إلى تبديل أو تعديل؟ بل لقد أمدت بما زاد عنها من ألفاظها أكثر لغات الأرض. ففي كل لغة منها أثر.
هل في الدنيا لغة يستطيع أهلها اليوم أن يقرؤوا شعرها الذي قيل من أربعة عشر قرنًا فيفهموه ويلذّوه كأنه قيل اليوم؟ هل في الدنيا لغة يستطيع أستاذ الطب في الجامعة وأستاذ الطبيعة، وأستاذ الفلسفة، أن يجد في ألفاظها التي كانت مستعملة قبل أربعة عشر قرنًا ما يفي بحاجته اليوم، في قرن العشرين؟ أفليس حرامًا أن نضيع هذه اللغة الأصيلة العظيمة، ويفرض الإنكليز لغتهم التي لا أصل لها على ربع العالم؟ أليس حرامًا أن نهملها حتى يجهلها منا المتعلمون وأهل اللَّسَن والبيان ويلحنوا فيها؟ أليس حرامًا أن يكون فينا من الخوارج على لغتنا من ينصر العامية المسيخة أو يكتب بها؟ أليس حراما أن تسير على ألسنتنا مئات الألفاظ الأعجمية الفرنسية والإنكليزية ننطق بها تظرفًا أو تحذلقًا وعندنا عشرات الألفاظ التي ترادفها وتقوم مقامها؟
فيا أيها العرب لغتَكم. لغتَكم يا أيها العرب، تعلموها وحافظوا عليها وانشروها.
إن أمامكم اليوم فرصة لنشر العربية إذا أضعتموها لم تلقوا مثلها خلال ألف سنة. فرصة تستطيعون أن تكسبوا بها ثمانين مليونًا آخر يتكلمون العربية ويتخذونها لسانهم.
1 / 10