فرفعت رأسها وصاحت: إن ما تطلبه مني شديد علي وقاس، تقول لا تسألي عما كان، فلا بأس، فلست أسألك شيئا، ولكني أريد أن أعزي أشقى والدي وأتعسهما حظا، ولا يصعب علي أن أعرف أن أمي تستحق مني التعزية، وإنك متمتع بكل ما يسعد الرجل؛ لأن حولك ظواهر الرغد والرفاهية.
فدهش الكونت؛ لأنه يعهد ابنته حيية شديدة الحياء، أما الآن فرآها قد اتخذت سبيل الجرأة والانتقاد، وكاد يقول لابنته لا تغرك الظواهر يا بنية، فأشقانا من لا يستخدم سلاحه، لكنه تجلد وقال لابنته: إن السلطة العليا قضت بأن أكون الوصي الشرعي الوحيد عليك.
قالت: وهل تقضي السلطة العليا على ذاكرتي، فأنسى فضل والدتي؟ هل نسيت أنت يا أبي هاتيك الأعوام التي مرت بنا وكلها إخلاص وشفقة وحنو وعطف من والدتي علي؟ واذكر أيام كانت تسهر قرب فراشي إذ كنت مريضة مدنفة وما كابدته من رعب ويأس حينما نزلت بي نوبات الحمى الهندية الخبيثة وكادت تخطف روحي، فأي قدرة للطلاق حتى يصير الملك الحارس غريبا عني؟ وهل تحسب أنها لم تعد أمي لما لم تعد زوجتك أنت؟
قال: اصغي إلي يا بنية؛ لا بد لك اليوم من إجلال قرار الحكومة، وغدا تلقين جدك الأميرال وجدتك، وهما يريان ما يجب أن تفعليه، ولا أمنعك من الذهاب لتري والدتك إذا استصوبا ذلك، وكان هذا الوعد الكاذب مسكنا هياج الفتاة.
هذا، وجرجونة ما برحت منزوية في البهو تسمع وتعجب بجرأة الفتاة، وقد نسي الوالد وابنته أنها معهما، وإذ ذاك أقبل زائر هو أنيبال بلميري فحيا بوليت، واتجه إلى أخته جرجونة فصافح يدها، فقالت له بصوت منخفض: هذه ابنته. قال: أعلم ذلك وقد أتيت لأراها. قالت: فكيف تجدها؟ أجاب: إنها أجمل بكثير مما كنت أظن. قالت: فحاذر منها إنها عدوة لنا. قال: مهلا ولا تجزعني، فلا بد أن تغدو حليفة لنا بعد اقتراني بها.
قالت: ألا تزال على هذا الجنون؟ أجاب: كيف لا؟
وفي أثناء هذه المحاورة جعل الكونت يشرح لابنته العلاقة التي بين أنيبال والكونتة إلى أن قال خافضا صوته: حاولي إلا تظهري عداوة من شأنها أن تثنيني عن وعدي الذي وعدت، ومهما يكن من أمر هؤلاء الذين أعرفك بهم فاصبري وتجلدي.
قالت: سأفعل ما دمت لا أرى والدتي إلا بهذه الوسيلة.
ولولا أن كلوديا أتت بما أثار الفتاة لما حدث شيء مما وقع، ذلك أنها التفتت إلى أخيها وقالت له: إن الكونت قد عرفك بابنته ، ولئن رضيت بوليت فإنني أدعوها ابنتنا. فصاحت بوليت: تقولين أنني ابنتك أنت! كلا أيتها السيدة، وإياك والتلفظ بمثل هذه الكلمة عندما تكلمينني؛ لأنني لا أجيبك.
فاصفر وجه كلوديا. فقالت الفتاة: إن لي أما واحدة أيتها السيدة، فلها وحدها احترامي وحبي. فقالت الكونتة لزوجها: هل ترضى بإهانة زوجتك ولا ذنب لها إلا أنها لقيت ابنتك التي تحبها باسطة لها ذراعيها متهيئة لإحلالها في صميم فؤادها؟
Halaman tidak diketahui