وبعد ذلك سأل العجوز قائلا: إذن من هو العريس الذي يدفع لي المال؟ قال العجوز: هو أنا، أتقبلني؟ وكان مختار يهم بقوله: إنني أقبل 150 جنيها إنجليزيا ولا أقبلك، ولكنه عاد فحجز نفسه، واعتبر هذه الفكرة فكرة سوداء؛ لأنها ربما تمنعه من الحصول على أمنيته الذهبية ...
وأصبح هم مختار أن يقنع أخته بالزواج بعجوز قبيح، فماذا يصنع إذن؟ دخل عليها في هذه الليلة وقال لها: أهنئك يا أختي العزيزة بالزواج، فقد عقد عقدك على رجل فاضل يحبك ويكرمك، قالت: وكيف لم أره؟ قال: ليس هذا من الضروري؛ لأنك سترينه عن قريب وتدخلين داره، قالت: ولكن لابد لي من رؤيته قبل العقد، قال: أنا وكيلك وليس لك أب، فلي حق في عقد العقد بدون حضورك، قالت: ولكن لست أنت الذي ستتزوج الرجل فأكتفي برؤيتك إياه. قال مختار: ما هذا الكلام يا إحسان؟ قالت: أترغب أن تبيعني ولا أدافع عن نفسي؟ قال: أبيعك؟! ماذا تقصدين بتلك الوقاحة الظاهرة؟ قالت: هل تسمي الدفاع عن الشرف والعرض وقاحة يا أخي؟ قال: اقطعي الحديث في هذا الموضوع الآن، ثم قام فجأة إلى غرفة نومه وترك إحسانا وحيدة تعيد ما قاله لها من الكلام المؤلم، وتسأل نفسها إن كان أخوها صادقا في كلامه أم كاذبا، ومن الغريب أن مختارا لم يحادث أخته في أمر الزواج بعد هذه الليلة.
وفي يوم من الأيام أتى إلى الدار ومعه تاجر من تجار الأثاث القديم، ونقل كثيرا من الأثاث من مثل الكراسي والمقاعد والخزانات والمرايا الكبيرة، والمنضدات، فظنت إحسان أن أخاها ينوي شراء أثاث جديد فاخر، وبعد ذلك بثلاثة أيام جلس مختار مع أخته وقال لها: إن هذا البيت حظه أسود، وقد رأينا فيه كل أنواع المصائب، والهواء الذي يأتي إليه فاسد؛ ولذلك عرضته للبيع، وعزمت على شراء بيت جديد في بقعة جميلة، فصدقت إحسان قوله وصرحت له بالبيع، وباعه بثمن بخس جدا؛ لأنه كان مضطرا، وكان الشاري يعلم حاجته إلى المال.
ولم يمض على خبر بيع الدار أسبوع حتى أتى مختار إلى الدار ومعه امرأة عجوز في مركبة ومعه مركبة نقل، وبعد أن جلست العجوز رويدا عرف مختار أخته بها قائلا: إن هذه السيدة هي أخت زوجك، وقد أتت لتأخذك إلى دار زوجك ونقل ما ترغبين نقله من الأثاث، فاحمر وجه إحسان وبكت، ولكنها لم تتكلم؛ لأنها عرفت كل شيء، وعرفت أن الكلام لا يجدي، عرفت المسكينة أن أخاها اللئيم باع الأثاث وباع البيت ثم باعها، فسلمت أمرها لله وقامت. وربما يخطر ببال القارئ سؤال، فيقول: لماذا لا تخالف إحسان أخاها وتتركه وتخرج أو تطالبه بحقوقها؟ والجواب على هذا السؤال هو أن إحسانا كانت جاهلة، وكانت شديدة الحياء، ولم تكن تعرف أحدا، ولم يكن لها قريب ولا صاحب يأخذ بيدها، وكانت المسكينة قد لحقها مرض شديد إثر حزنها من جهة أمر الزواج، فقامت إلى المركبة صامتة حزينة مطرقة الرأس.
وهكذا خرجت من دارها التي تربت فيها، نحلية، كسيرة القلب، حزينة الفؤاد، إلى دار رجل غريب لا تعرفه ولا يعرفها، وبجانبها في المركبة امرأة عجوز لا تعرفها، ووراءها مركبة نقل عليها بعض الأثاث القديم ...
إلى أين يا إحسان يا بنت النعيم والدلال؟ إلى بيت زوجك العجوز القبيح البخيل ...
لا، لا، إلى القبر ... إلى القبر الذي حفره لك أبوك وأمك وأخوك أيتها المسكينة الشقية! ...
نعم؛ لأن إحسانا لما دخلت دار العجوز زوجها ورأت سحنته القبيحة ورأت أولاده وبناته العشرة يلعبون ويصرخون، علمت أنها أتي بها لتخدم هؤلاء الأطفال، ولتكون جارية لهذا الرجل الذي لا تعرفه ولا تحبه، وعلمت أن أخاها باعها ليحظى بالمال، وباع الدار ليتخلص منها، فنزلت بها علة عصبية فجائية، فبقيت تبكي وتتنهد وتبكي وتتنهد، وهي لا تأكل ولا تشرب ولا تقوم من مكانها، وما زالت كذلك ثلاثة أيام، ثم أتي لها بالطبيب، وقبل أن يصل الطبيب وصلت نفسها إلى السماء ... •••
فحزن العجوز كثيرا لخسارته العظيمة؛ ولأن إحسانا ماتت بكرا ولم يتمتع بها، ومن المحزن أن الرجل العجوز امتنع عن تكفين الفتاة، وأرسل إلى أخيها يعلمه بذلك، فلما وصل الخبر إلى مختار بكى قليلا وجهز أخته كما جهز أمه من قبل، ودفنت إلى جانب أمها وأبيها ...
الفصل العشرون
Halaman tidak diketahui