Dalam Memperbaharui Kebudayaan Arab
في تحديث الثقافة العربية
Genre-genre
فماذا نريد للفكر الإسلامي أن يصنع إزاء هذا الموقف المرفوض؟ إننا نريد شيئين: أولهما أن ينصت جيدا لصوت القرآن الكريم وهو يحث المسلم على معرفة الكون، وماذا تكون تلك المعرفة في اكتمالها إلا أن تكون هي المعرفة العلمية بظواهر الكون - التي منها تولد العلوم التي نسمع عنها - ويدرسها أبناؤنا في الجامعات، لكننا لا نشارك في صنعها، كعلوم الفيزياء من علم للضوء وعلم للصوت وعلم للكهرباء وهكذا، كل ما يحتاجه العالم الإسلامي من علماء الفكر الإسلامي - في هذا الصدد - هو البيان بأن كتاب الله يأمر المسلمين القادرين على العلم بالكون وظواهره، وأن طاعة المؤمن لما قد أمر به الله هو عبادة. وأما الشيء الثاني الذي نتطلبه من علماء الفكر الإسلامي في هذا السبيل، فهو أن تتجه دعوتهم نحو أن يدخل المسلم عصره هذا، مقبلا عليه بعقله وقلبه، لا رافضا أو نافرا، لكنه في الوقت نفسه، إذا ما دخل عصره مشاركا في بنائه ونشاطه، سيجد ما يكمن في أصلابه من عوامل الضعف التي تنعكس آثارها فيما نراه من ألوان الشقاء في حياة الإنسان النفسية والعملية على حد سواء؛ ما أدى إلى علل يعرف بوجودها وبضراوتها رجال الفكر المعاصر جميعا، ويذكرون منها: القلق، والتمزق، واليأس، والعنف، والاغتراب، وما إلى ذلك من قائمة طويلة. وها هنا سيجد المسلم في أجلى وضوح كيف يمكن أن يكون علاج ذلك كله في جوهر العقيدة الإسلامية، ولكن كيف؟
إن رسالة الإسلام الأولى هي «التوحيد»؛ التوحيد بجانبيه «الواحدي» و«الأحدي» معا؛ فأول شروط الإسلام شهادة ألا إله إلا الله، فليس لله سبحانه وتعالى شريك في ملكه.
إذن، فهذا جانب من التوحيد يشير إلى الناحية العددية منه، وأما الجانب الآخر ، الذي يتجلى في قوله تعالى:
قل هو الله أحد ؛ فيشير إلى أحدية تظهر في اتساق الوجود الإلهي، وعدم انقسامه على نفسه، ومن ثم كان سبحانه وتعالى هو «الله الصمد» الذي يصمد وجوده الواحدي من الأزل إلى الأبد، ذلك هو الأساس الأول في عقيدة المسلم، وهو أساس إن لم يتناوله الفكر الإسلامي بالشرح الطويل الواسع العميق، ظل عقيدة في قلب المؤمن، لا يكاد يطير لها أثر في صور الحياة العلمية التي يحياها. وأما إذا استخرجت أعماقها ليراها من آمن بها، اختلف معه الشأن اختلافا جوهريا؛ ومن تلك الأعماق، أن يشعر المسلم المؤمن حقا برسالة دينه، بأن وحدانية الله وأحديته تتجلى في الكون العظيم بأجزائه وظواهره، كما تتجلى في الفرد الواحد من الناس إذا جاء سويا في تكوينه، وتتجلى - نتيجة لتكامل الأفراد إذا تحقق - في المجتمع الذي هم أعضاؤه، أسرة كان أم شعبا أم أمة بأسرها، فأما واحدية الكون العظيم وأحديته، اللتين هما انعكاس لصفات خالقه بديع السماوات والأرض؛ فلن يراهما إلا العلماء الدارسون؛ وإن هؤلاء ليرونها بمقدار ما علموا ودرسوا؛ وذلك أن العين المجردة في براءتها وسذاجتها، إذ ترى فيما حولها تلك الكثرة الهائلة من الأشياء وعناصرها، تحسب أن تلك الكثرة تعدم ما يوحدها، حتى إذا ما أخذت العين تبصر الأمر وتعلمه على حقيقته؛ وجدت كل شيء مرتبطا بكل شيء، ولا يتسع مجال القول هنا لتفصيل ذلك، وهو موضوع يقع في صميم الفكر الإسلامي في آفاقه الجديدة. ولما كانت تلك الوحدة الضامة للكائنات جميعا في كون واحد، إنما هي وحدة توصف على سبيل التقريب والتشبيه، بأنها وحدة «عضوية» بين الأجزاء؛ أي إنها وحدة تشبه الوحدة في الكائن الحي، ثم هي وحدة تبلغ ذروة تساميها في الإنسان، رغم أنه أشد الكائنات تركيبا لعناصر وجوده، وقل هذا - بالتالي - على صور المجتمعات التي يكون فيها الإنسان الفرد عضوا من أعضائها.
فإذا عرفنا أن الكثرة الغالبة من علل العصر ومواضع قصوره، ترجع آخر أمرها إلى تفسخ في «وحدة» الإنسان فردا ومجتمعا، بحيث لم يعد الفرد الواحد متكامل الرؤية؛ لأنه لم يعد قادرا على جمع المختلفات في كيان واحد، فهو في دخيلة نفسه منقسم على نفسه، يعمل ما ليس يدري له أولا من آخر، فلماذا يعمل ما يعمله؟ وإلى أي نتيجة ينتهي؟ إنه يعجز عن الجواب، وهو موقف إذا اتسع؛ أصبح موقفا يشمل الحياة بأسرها: فلماذا هو يسعى؟ وإلى أي شيء يسعى؟ إنه يعجز عن الجواب، إلا الذين آمنوا إيمانا بصيرا؛ فهم الذين يوحدون الأطراف التي تبدو متباعدة متنافرة، وإذا هي توحدت أمامهم؛ ظهر معناها، فمن ذا الذي يستطيع الوصول إلى أعماق هذه الفكرة، أكثر مما يستطيعه مفكر إسلامي بنيت عقيدته الدينية أساسا على مبدأ التوحيد؟ على أن الأمر في ذلك، إذا ما جعله الفكر الإسلامي الجديد هدفا من أهدافه؛ فلا يقتصر على مؤلفات تؤلف لتوضع في خزائن الكتاب، بل لا بد أن يتسرب مضمونها قطرة قطرة إلى «التربية» في الأسرة، وفي المدرسة، وأن يسمع ويشاهد مجسدا فيما يذاع في الناس من عوامل التثقيف.
لقد أدار عصرنا حياته الفكرية على محور مشترك بين مختلف التيارات الثقافية في العالم، وأعني في أقطار العالم التي هي مسئولة قبل غيرها عن توجيه العصر في مساره الذي يسير فيه؛ وذلك المحور المشترك، الذي يظهر لنا واضحا من شتى المذاهب الفكرية، حتى وإن بدت في ظاهرها مختلفة بعضها عن بعض، هو أن «الإنسان» يجب أن يكون هدفا أسمى، بإنسانيته التي هي ما هي كما يعرفها كل فرد منا في ذاته؛ ومن هذا المدخل يمكن للفكر الإسلامي أن يدخل رائدا وهاديا، بادئا بسؤال عن حقيقة هذا الإنسان ما هي؟ فإذا استلهم المفكر المسلم أصول عقيدته، وجد للإنسان صورة ينبغي أن يعرفها العصر، كلما جعل «الإنسان» هدفا للبنيان الحضاري كله، وللأنشطة الثقافية بأسرها. ومرة أخرى نكرر الشرط الموجب لأن يعمل الفكر الإسلامي على التسلل بنتائج فكره هذا، في مجالات التربية والتثقيف؛ ليتحول الفكر المجرد إلى عادات سلوكية في حياة الجيل الناشئ.
لقد كان محمد إقبال، بكتابه «تجديد الإسلام» نجما من ألمع النجوم بريقا في سماء الفكر الإسلامي الحديث؛ ولعل أبرز حقيقة مما أورده في ذلك الكتاب هي دور «العقل» في حياة المسلم، كما أرادها له القرآن الكريم؛ فلقد كان الإسلام هو الديانة الوحيدة التي أحالت الإنسان إلى «عقله» فيما تستحدثه له الحياة من مشكلات، ومن هنا كان الإسلام آخر الرسالات الدينية؛ لأن الرسالة بعد ذلك أصبحت المنوط بها عقل الإنسان، وإذا أخذنا باحتكام الإنسان إلى عقله، فقد اعترفنا ضمنا بضرورة احتكامه إلى «العلم» بما يكشفه عن حقائق العالم بمنهجه في البحث، وهو منهج فصلت القول فيه الكتب المختصة بهذا الجانب من الفكر العلمي، وحسبنا هذه اللفتة «الإقبالية»؛ لنتجه بالفكر الإسلامي نحو آفاقه الجديدة.
تخليص وتلخيص (1)
ثقافة الفرد الواحد، وثقافة الشعب الواحد، وثقافة العصر الواحد؛ ليست بالكائن البسيط الذي تستطيع أن تشير إليه بإصبعك لمن تحدثه، قائلا له: تلك هي ثقافة هذا الفرد من الناس، أو ثقافة هذا الشعب، أو ثقافة هذا العصر، بل هي أشبه بنسيج تشابكت خيوطه وتقاطعت وتلاحمت، حتى ليتعذر على من اضطلع بتحليلها إلى عناصرها أن يميز بين خيوطها خيطا خيطا، وإذا فرضنا أن مثل ذلك التحليل قد وجد من القادرين قادرا قد استطاعه؛ فإنه بقدر ما استطاع أن يحققه من فك الخيوط ليميزها خيطا من خيط، يكون قد بعد ما أصبح بين يديه من أجزاء عن «الثقافة» التي لا يتوافر لها كيانها إلا وهي منسوجة الخيوط في حياة موحدة، كما تتوحد الخيوط في الثوب! فإذا كنا قد جعلنا الثقافة العربية موضوعا لأحاديثنا المتفرقة، وتناولناها من أطراف متعددة، فما كان ذلك إلا كما يكون الأمر في كل بحث عن حقائق الأشياء؛ إذ لا بد في كل حالة من تلك الحالات أن يحلل الشيء المدروس إلى عناصره التي يتألف منها، ما استطاع الباحث أن يبلغ من هذا التحليل، حتى إذا ما عاد إلى تركيب العناصر ليعود الشيء المدروس إلى تركيبته التي كان عليها، كان ضوء العلم قد أضاء دخيلته وحقيقته أمام كل ذي بصر أراد أن يرى ليعلم، فنحن إذ نشرب الماء لا نبالي أبسيط ذلك الماء أم مركب؟ إلى أن يهم رجل من رجال العلم، فيسلط عليه أشعة البحث، فإذا الماء مركب من عنصرين تفاعلا واندمجا فأصبحا قطرة ماء، فتسألني: وماذا كسبناه من ذلك التحليل ما دام الماء في أفواهنا هو الماء قبل التحليل وبعده؟! والجواب هو أن ذلك الماء الذي تشربه، لو كان ملوثا بما ليس من طبيعته؛ لما أدركت تلوثه حق الإدراك، إلا بعد أن تكون قد تحققت من العناصر التي يتركب منها الماء الخالص، وعندئذ يصبح في مستطاعك أن تحدد الشوائب التي أضيفت فتزيلها.
وهكذا قل في الحياة الثقافية للفرد، أو للشعب، أو للعصر، فإذا ظل الناس يتنفسون تلك الحياة شهيقا وزفيرا، دون أن يكونوا على علم بحقيقة ما يتنفسونه من حيث عناصره التي دخلت في تركيبه؛ لما استطاعوا قط أن يعرفوا مواضع الضعف من تلك الحياة ليعالجوها أو ليبتروها، وهنا يلزم التنبيه على أن ما قد أصبح موضع ضعف في ثقافة ما، ربما كان هو هو نفسه الذي كان يوما مصدر قوة، ثم تغيرت عليه الظروف فأصبح مرضا بعد أن كان عافية، إنك لا تؤاخذ الطفل على قضاء يومه في اللعب، بل إنك لتحضه عليه إذا تراخى فيه وأهمله؛ لأنك تعلم أن اللعب للطفل وسيلة تنمو بها قدراته، حتى إذا ما كبر طفلك وبات شابا، ثم رأيته يواصل حياة الطفولة، بأن يجعل من اللعب مشغلته طول يومه، أخذك القلق وعملت على تقويمه وعلاجه.
Halaman tidak diketahui