وطريقته أسهل، وربَّ بحث كنا نتصيد مسائله من متفرقات الكتب يرى الآن مجموعًا في كتاب واحد، ينادي: من يقرأ فيَّ؟ فما لهم يستصعبون العربية؟
وهل العربية أصعب عليهم من الكيمياء والجبر والهندسة، وهذه الألسن التي يزحم بعضها في رأس الطالب بعضًا من تعددها وما لأكثرها من فائدة تلمس، أو عائدة تحس: اللاتينية (١) التي أخذناها تقليدًا بلا علم، والسريانية والعبرية والفارسية والتركية، ثم الفرنسية والإنكليزية وما لست أدري ماذا أيضًا؟ أهذه العلوم وهذه الألسن كلها سهلة جميلة، كأنها قصة من قصص الغرام، يشربها الطالب مع الماء، ويأكلها مع الحلوى، والصعوبة كلها في العربية؟
وإذا كانت هذه العلوم وهذه الألسن صعبة كلها فما هو السهل الذي يذهب الطالب إلى المدرسة ليتعلمه؟ ولماذا نفتح المدارس ونرهق الأمة بنفقاتها، ونحمل خريجيها على أعناق الناس حملًا، بما حصلوا من العلم، وما نالوا من الشهادة؟
لا، ليس في العربية صعوبة، ولا في كتابتها وعلومها تعسير، هذه ضلالة يجب أن ينتهي حديثها، وأن لا نعود إلى إضاعة الوقت، وإفساد النشء، في الكلام فيها. ويجب أن نحببها إلى الطلاب، ونرغبهم في مطالعة كتبها، حتى يألفوها، ويسهل عليهم فهمها، ولقد كنا في المدارس الابتدائية نقرأ الكتب العلمية الكبيرة حتى إني قرأت (حياة الحيوان للدميري) -وقد وقع في يدي اتفاقًا- قبل أن آخذ شهادتها، وقرأت (الأغاني) كله -متخطيًا إسناده، وما لا أفهم منه- في صيف السنة الثانوية الأولى، وكنا يومئذ نحسن المراجعة في الخضري وفي المغنى، وكان فينا من ينظم ويكتب، وعندي مقالات كتبتها في تلك الأيام، قد لا ترضيني أفكارها ولكن أسلوبها يرضيني اليوم.
وكنا نختلف إلى بعض العلماء، نسمع دروسهم العامة في المساجد، ودروسهم الخاصة في البيوت فما أكملنا الدراسة الثانوية حتى قرأنا مع علومها،
_________
(١) كتبت هذه المقالة في مصر.
1 / 35