إن ما ذكرناه حتى الآن هو إجابة عن هذا السؤال: ما هي الصورة (أي الفورم) عند بعض الفلاسفة من جهة، وعند بعض رجال الفن من جهة أخرى؟ (1)
فالنظرية الفيثاغورية في الفلسفة، تقابلها التكعيبية في الفن. (2)
ونظرية المثل الأفلاطونية في الفلسفة، يقابلها الفن الذي يجرد من الشيء جوهره. (3)
والنظرية الأرسطية في أن الصورة هي ما ينطبع به الكائن الفرد بحيث ينتمي إلى نوع معين، يقابلها الفن الكلاسيكي.
وهذه الثلاثة كلها تفسيرات للصورة حين تعنى بإبراز الطبيعة على حقيقتها. (4)
والتحليل النفسي للشعور واللاشعور، تقابله في الفن مدارس التعبيرية والسريالية. (5)
واستقلال الفن في عالم وحده، عالم ثالث، بين الطبيعة والذات، يقابلها التجريد الخالص في الفنون.
لكن هناك سؤالا آخر، لعله أهم من السؤال الذي حاولنا الإجابة عنه، وهو بغير شك أعسر جوابا، وأعني به هذا السؤال: متى تكون الصورة (الفورم) جميلة؟ فسواء كانت الصورة تكوينا هندسيا، أم تجريدا لجوهر الشيء المرسوم، أم إبرازا لحقيقة النوع متمثلة في الفرد الواحد، أم غير ذلك، فهو قد يوصف بالجمال هنا وهنا وهناك؛ ومن ثم ينشأ سؤالنا الجديد: متى تكون الصورة جميلة، بغض النظر عن اختلاف الوجهة التي يختارها الفنان في تفسيرها؟
إنني ها هنا أغض النظر عن بحث فرعي هو غاية في الأهمية والخطورة إذا أردنا أن نفهم الفن على حقيقته، وهو البحث الذي نسأل فيه: هل الجمال هو حقا غاية الفن كما هو شائع بين الناس؟ فالواقع أن تحليلا قليلا كاف للدلالة على أن القول بأن الجمال هو غاية الفن إن هو إلا السذاجة بعينها، لكني أغض النظر الآن عن هذا البحث بأكمله، وحسبنا أن تحدث عند الناظر إلى الأثر الفني نشوة من نوع معين، لنسأل سؤالنا، وهو: ما سر هذه النشوة، وما مبعثها؟
أعتقد أنه لا بد أن تكون هناك علاقة وثيقة بين ما يبعث فينا النشوة الجمالية وبين التكوين الفسيولوجي والنفسي للإنسان المشاهد.
Halaman tidak diketahui