Dalam Waktu Lapang
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Genre-genre
وسكت الرجل هنيهة وهو في مجلسه على مصلاه. ثم أشرق جبينه واستنار ما حوله، ورأت عائشة كأن ملائكة الرحمة ترفرف عليه بأجنحة من ضياء. ولم تك إلا لحظة حتى مال إلى جنبه الأيمن. فأسرعت ابنته إليه وأعانته حتى استوى على ظهره. وبصرت به فإذا هو قد رفع سبابته اليمنى، وهمست شفاهه بكلمة التوحيد وأغمض عينيه. •••
وبكت عائشة وباترا، ثم أعانهم حمزة على غسله وتكفينه ودفنه. وهو لا يزال إلى اليوم في واحته يزوره الصالحون. فأما الفتاتان فعادتا بعد ذلك إلى القاهرة وإلى الإسكندرية تضحكان وتطربان، وإذا جن الليل تهيمان. وطلقتا الكتب على أمل أن تلهما الإيمان ساعة الموت، فيضيء النور وجههما وتموتان قديستين.
انتقام من الجمود
انعقدت المحكمة لجلسة الجنايات، ونظرت في عدة قضايا صغيرة حكمت في بعضها وأجلت البعض الآخر لاستيفاء التحقيق. ثم جاء دور آخر قضية في الجلسة.
ظهرت إذ ذاك في صندوق المتهمين فتاة في الثامنة عشرة من عمرها، تظهر من فوق برقعها عيون نجل قد قوست فوقها حواجب بديعة، وتجتلي العين من خلال هذا الحجاب الشفاف أنفا حادا وشفاها رقاقا. وانسدلت من رأسها على ذراعيها حبرتها اللامعة - جاءت بخطوات ثابتة فدخلت وراء الحديد وجلست، فحولت نظرها إلى جهة غرفة المداولة حتى تتقي بذلك أنظار الناس التي اتجهت إليها.
سألها القاضي عن اسمها وسنها وعما لو كانت ارتكبت الجريمة المنسوبة إليها من قتل عبد العزيز حسنين. فأجابت عن ذلك إيجابا. وحينئذ أخذت النيابة تسرد الوقائع والأقوال. واستنادا إلى ذلك وإلى اعتراف المتهمة طلبت من المحكمة أن تطبق على الست عائشة أحمد مادة القتل مع سبق الإصرار.
قام المدافع عن عائشة بعد ذلك فجعل يشرح موقفها والظروف التي أحاطت بها، وطلب من المحكمة أن تبرأ موكلته وأن تراعي كل هذه الظروف المخففة، وأضاف: «والرحمة فوق العدل.»
في كل هاته الأثناء كانت الفتاة وراء الحديد ثابتة النظرات، لا يظهر عليها جزع ولا تهزها الأقوال ولا يأخذها التأثر. ومن حين إلى حين كان يبين عليها أنها غائبة عن كل ما يدور في الجلسة فتحدق بالسقف وتستسلم لشيء يهجس في نفسها. وأخيرا سألها القاضي السؤال الذي يلقيه على كل متهم ليستكمل رسميات الدعوى: إن كان عندها أقوال تدافع بها عن نفسها.
وقفت عائشة فألقت فوق أكتافها حبرتها، وحسرت عن وجهها برقعها وقالت: إنني يا سيدي القاضي أريد أن أدافع عن نفسي لا حبا في الحياة والبقاء، فإنني ارتكبت جريمتي التي اعترفت وأعترف بها لأجعلها مقدمة لموتي أنا الأخرى بعد إذ سئمت العيش، واستولى علي التقزز من الناس. ... من سنة مضت عرفت عبد العزيز حسنين؛ لأننا كنا نسكن في بيت واحد، وكان يصادفني كثيرا خارجة من البيت أو داخلة إليه، فيفسح لي الطريق ويبسم لي أحيانا. وبعد أن تعود كل واحد منا رؤية صاحبه كنت أرد له التحيات التي يقدمها لي. ثم جعلنا إذا سرنا في طريق نسير جنبا لجنب ونتحادث كما يتحادث صديقان حقيقة، فإذا ما افترقنا تهادينا التحية وذهب كل منا إلى حيث يريد.
أعجبتني منه يومئذ صراحته في القول مع شديد أدبه واحترامه لمخاطبه. وأدخل إلى نفسي الثقة به أنه كان يصرح لي أحيانا بما يحصل له وما يدور في نفسه. وصرت أنا الأخرى أسر إليه ما لا أطلع عليه أهلي الأقربين.
Halaman tidak diketahui