Dalam Waktu Lapang
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Genre-genre
وليس ما يطالعنا به توت-عنخ-آمون من صور الحضارة دليلا على أن هؤلاء الأجداد العظام كانوا يحضرون للمدنية المادية السخيفة، التي يرزح العالم اليوم تحت أرزائها، وإنما هو دليل على أن الإنسانية بلغت في عصره كل القوة والعزة والمنعة والشباب، ووصلت إلى غاية ما ترجوه الإنسانية. ثم اضمحلت من بعده، وتدركت إلى الهرم وإلى الفناء . ثم بعثت فاضطربت في حمأة الطفولة وتلوثت في أدرانها، وهي قد خرجت منها من زمن، وهي اليوم تعاني آلام شهوات الشباب المبتدئ. وليس من يدري متى تطمئن إلى شيء من الحكمة. ومتى تعاودها نعمة العقل.
هذا ما تنطق به آثار باب توت-عنخ-آمون البالغة في الإبداع حد الإعجاز. وهذا ما تنادي به معها آثار طيبة الأموات مما وقعت عليه عين الإنسانية. وهذا ما تشهد به الآثار المصرية القديمة ما بقي منها في مصر وما عبر منها البحار إلى الدول الأخرى. فإن كان لا يزال في نفسك من ذلك ريب، فاقصد معي إلى الكرنك وإلى بربة الأقصر، واقرن ما ترى هناك إلى مثله من آثار روما، تر أمامك واضحا هيبة القدم وجلال العظم عند المصريين بالغين حدا تتضاءل معه الآثار الرومانية والآثار الإغريقية، حتى لتكاد تنسى. وهل جلال أعظم من جلال الكرنك؟ وهل أثر باق للحضارة الكاملة غير آثار المصريين القدماء.
في حضرة الفراعنة
طيبة الأحياء
بين جبال ليبياء، وعلى نحو فرسخين من شاطئ النيل الأيسر، تقع طيبة الأموات، وفيها معابد الدار الآخرة. وفيها لحود الرعية، وأجداث الأمراء، ومقابر الملوك.
وعلى الشاطئ الأيمن تقوم الأقصر حيث كانت تقوم طيبة الأحياء. وفيها بربة الأقصر. وفيها الأطلال الدوارس التي تتحدث إلى الأجيال المتعاقبة لمستقبل بعيد عن أجيال نائية في ماض سحيق - فيها معابد الكرنك الكبرى. •••
معابد الكرنك: هياكل النيل التي ظلت آلاف السنين تتعانق ومياه النيل. معابد خونسو، وأوزوريس، وآمون، وسيتوس، وطريق آباء الهول، والبحيرة المقدسة. أطلال طيبة الأزلية الباقية. قدس أقداس مصر القديمة. عظمة الماضي ومجد التاريخ. المدنية البائدة الخالدة. الإنسانية في كمالها الأسمى. آثار أجدادنا العظام. آثار المصريين الذين حكموا وسادوا؛ حكموا بالعقل والعلم، وسادوا بالمحبة والحلم. تلك هي الآثار الدارسة القديمة المبعثرة فوق ثرى الوادي على مقبرة من الأقصر إلى الجانب الأيمن من النيل. تلك هي الأحجار الناطقة في صمتها بمعاني العظمة، المحدثة ببلادها عن ألوف السنين التي مرت بها من يوم شادها أجدادنا هياكل لعبادتهم، ومستقرا لعلم آلهتهم ، وذكرا لأشخاصهم التي سبقت التاريخ من غير أن يدور في وهمها أن سيبقى ذكرها زينة التاريخ ما بقي التاريخ ...!
معذرة! ... لقد كنت أريد أن أصف معابد الكرنك، وأن أذكر طرفا من تاريخها، وأن أتحدث عن بنائها، وعن ضخامتها وعن رفعتها. وكنت أريد أن أقرنها إلى ما رأيت من آثار الرومان في روما. وفي مدن فرنسا: في نيم. وآرل. وأفنيون. وروياء. فلم تكد أسماء معابد الكرنك تمر أمام خيالي، حتى امتلأ بعظمتها وبقداستها خيالي، وحتى تضاءل ما رأيت من آثار اليونان والرومان. وحتى أصبحت الفورم، والكابتول، بعض تلك الآثار الصغيرة التي لا تحصى والتي تقابلك حيث ذهبت من ديار الآثار في مصر. وهل ترى في الوجود أثرا لا يصغر ويتضاءل ويفنى إذا ذكرت عظمة معابد الكرنك، وبينها معبد آمون.
قرون جاءت على آثار روما، وعلى آثار أثينا، وللقدم هيبته، ولجراح الماضي في تلك الآثار قداستها، وللفن عظمته، وللإبداع الفني في تلك الآثار احترامه. وأنت - ابن اليوم - لن تستطيع مهما فاخرت بعلم عصرك وفنه ودقته إلا أن تقف أمام تلك الآثار التي جاءت عليها القرون معجبا خاضعا ... فإذا وقفت بين أطلال الكرنك لم يكفك الإعجاب، ولا الخضوع، ولا التقديس؛ لأنك ترى آثارا تفوق آثار مدنيتك الحاضرة عظما وقوة وإبداعا ودقة.
لست أغلو. ولكني لا أستطيع أن آتي على الوصف الذي يبعث إلى نفسك الإجلال والبهر اللذين ملآ نفسي حينما كنت بين هذه الآثار، واللذين تركا في نفسي أثرا سيبقى إلى أن تزول من بين الأحياء نفسي، ولو لم يتح لي القدر أن أعود إلى طيبة المقدسة مرة أخرى.
Halaman tidak diketahui