Dalam Waktu Lapang
في أوقات الفراغ: مجموعة رسائل أدبية تاريخية أخلاقية فلسفية
Genre-genre
وقد افتتح عهد رياسته الأولى بخطاب دل على ما يجول بخاطره، وما ظهرت آثاره في مبادئه التي أعلنها أثناء الحرب، إذ جاء في هذا الخطاب ما يأتي:
نشعر ونحن نتقدم إلى هذا العصر الجديد، عصر الحق والإطلاق من كل معاني الرق، بشعور يهتز له فؤادنا حتى لكأنما جاء إلينا من عند الله، شعور يتألف فيه العدل الرحمة، ويجعلك ترى قاضيك وأخاك بعين واحدة.
إنا نعلم أن الواجب الذي ألقي علينا ليس واجبا سياسيا فحسب، بل هو واجب سيبتلينا إلى غور وجودنا، وسيظهر مقدرتنا على فهم عصرنا وحاجات شعبنا واستطاعتنا أن نكون لسانه وترجمانه، وسيبين عما إذا احتوت جوانحنا القلب الذي يفهم والإرادة القوية التي تعرف كيف تختار أسمى وسائل العمل. فاليوم ليس يوم نصر ولكنه يوم توجه، وليس السلطان اليوم لقوة حزب، ولكن السلطان لقوى الإنسانية . وأفئدة الناس في انتظار عملنا، وآمالهم تود لو تعرف ما سنقوم به، فمن ذا يستطيع أن يفخر بأنه جدير بمثل هذه الرسالة الكبرى، ثم من ذا يستطيع أن يرفض التقدم للتجربة! وإني أدعو كل الأشراف وكل الوطنيين وكل من يتجه نظرهم للمستقبل إلى جانبي. ولن أرفض بعون الله ما يتقدمون لي به من نصيحة ومعونة.
وفي أثناء رياسة الدكتور ولسن الأولى نشبت الحرب، فظلت أمريكا على الحياد إلى سنة 1917، وظل الدكتور ولسن ينظر إلى هذه المجازر بعين الأسف لما تلاقي الإنسانية من ويلات بسبب أطماعها الوضيعة، وكان لا شك يبقى في حياده لولا ما كان من إقدام غواصات ألمانيا على نسف المراكب الأمريكية. حينذاك دخلت الولايات المتحدة الحرب، فكان دخولها بدء انقلاب كفة الميزان، وسبب انتصار الحلفاء.
وقد سافر الدكتور ولسن بعد عقد الهدنة إلى أوروبا، وأراد أن يكون لسان أمته وترجمانها في مؤتمر الصلح، لكنه مع الأسف لم يستطع أن ينفذ مبادئه، وضعف عن أن يترك أوروبا في مصائبها؛ لأن أمريكا كانت دائنة كل دول الحلفاء، ومصلحتها تقتضي بقاء تحالفهن، فلما عاد إلى أمريكا أراد أن يصادق مجلس الشيوخ على معاهدة فرساي فلم ينجح، وبذلك انهار أمل من أكبر آماله، بل انهار أمله الأكبر، ولم تفلح دعوته الناس وانتهى به الحال أن أصيب بإصابة كانت مقدمة الأمراض والعلل التي جاءت على حياته. على أن فشل ولسن في حمل بلاده على قبول المعاهدة التي عقدها لا يحط شيئا من قدره، وسيبقى في التاريخ علما من هداة الإنسانية العظام، وسيبقى اسمه في التاريخ حيا ما بقي التاريخ.
أحمد لطفي السيد
علم الأخلاق - لأرسطوطاليس
من نحو سبع سنوات، بينما جو العالم يبرق بنار الحرب ويرعد جلس الأستاذ لطفي السيد إلى مكتبه ينقل كتب أرسطوطاليس إلى العربية، وقد أثار عمله هذا دهشة كثيرين جعلوا يتساءلون: كيف ارتضى مدير «الجريدة» أن يهجر ميدان السياسة إلى صحراء الفلسفة، وأن يغمض عينيه عن الحاضر الممتلئ بجلائل الأحداث ليأوي إلى كهوف الماضي يفتش فيما عما يتسلى به ويلذ له؟ وتخطى بعضهم حدود التساؤل إلى النقد: ما بال هذا الكاتب الكبير المشهود له بالفضل من أصدقائه وخصومه جميعا يهدر وقته فيما لا يعود على أمته وبلاده بفائدة؟ وهل ترى ترجمته لأرسطو أكثر من أن تكون لذة لنفسه، وزينة عند أصحاب المكاتب الذين لا يقرأون مما يقتنون سطرا؟
بلغ هذا النقد وذلك التساؤل مسامع لطفي السيد، كما ذهب إليه قوم يصدونه عن المضي في عمل حسبوه عقيما، لكنه استخف بأحلام الناقدين، ووجد من انضم إليه في استخفافه، فمضى في عمله ولا يزال حتى اليوم ماضيا فيه. وأشهد أني ما رأيته أكثر اغتباطا بمجهود ولا أوفر طمأنينة لكد منه باغتباطه وطمأنينته لهذا الجهد الشاق الذي يعالجه أرسطو. وإنك لتلمس غبطته بينة بارزة في الجزأين اللذين نشرهما ترجمة لكتاب الأخلاق، وفي التصدير الذي قدم به هذا الكتاب.
وليست هذه الغبطة والطمأنينة مقصورة على الأستاذ وحده، بل شاركه أصدقاؤه وتلاميذه فيها؛ فقد رأوه اليوم كما كانوا يريدون أن يروه دائما: بعيدا عن مضطرب الحياة اليومية وشهواتها، بعيدا عن السواد وحكمه السريع التقلب، جالسا حيث وجب له أن يجلس: بين أرسطو وبارتلمي سانتيليير، وبين عامة المؤلفين الذين يتحدثون إليه كلما أراد أن يستمع إليهم. وليس أخلق به من سلوك هذا الدرب من دروب الحياة؛ فهو في سكينته العبوس أسمى ألوان الحياة وأثمنها، وهي يحمل مجده في طياته غير خاضع لحكم الحاضر ولا هياب حكم المستقبل.
Halaman tidak diketahui