إنه حقا حفل بالأسلوب كما حفل بالمعنى، وأحيا الكتابة العربية المنمقة القوية أيام كانت في القرن الرابع الهجري، ونقول مع "مارون عبود"1: "أما الذي يتراءى لي من آثاره الكتابية ومن أسلوبه، فهو أنه ناري الشعور، ومتقد الخاطر، ثوري من الطراز الأول، كأنه كان في رفقة الحجاج يوم دخل الكوفة وقد انتشر النهار, يرسل عباراته فتئز أزيز السهم, وقد فأرق الوتر جمل كأنها مقطوعة على نمط واحد، لا هي بالطويلة ولا هي بالقصيرة، يشد بعضها بعضا فتؤلف مقالته كتيبة جامحة، إذا راعيتها منفردة لا تحس لها مفعولا عظيما، ولكنها تؤلف كلا تخرج منه النفس، وقد ملاها هذا الكلام اندفاعا واستبسالا".
ويقول: "نثر كأنه الشعر يرصعه بأبيات, إما من الشعر القديم، وإما من نظمه هو, فيأتي مقاله عجاجا زاخرا حين يحتد ويشتد كقوله: هو الظلم حتى تمطر السماء بلاء، فتنبت الأرض عناء، فلا تجد على سطحها إلا جسومها ضاوية، في ديار خاوية، وقلوبا تحترق في بلاد تحت رق".
وهو يراعي الموسيقى في نثره أكثر من شعره؛ فيتعمد ما كانت تتعمده مدرسة ابن العميد من أفعال مختلفة, تتحرك لها الجملة فتحرك قارئها توا، وإن ذهب أثرها من عقله بعد حين كقوله:
"هو الجهل حتى تضيع الأخطار، وتفنى الأقدار، وتبطل الهمم، ويعفو القلم، ويدرس الفهم، ويستعلي الخامل، ويستولي الجاهل، وتنخفض الرءوس، وتنقض النفوس، وحتى ترمي:
بكل أرض وطئتها أمم ... ترعى بعبد كأنها غنم
يستخشن الخز حين يلبسه ... وكان يبري بظفره القلم
ومن شعره الذي جرى مجرى الأمثال، وإن لم يكن من الشعراء المجلين، وإن اشتهر بنثره أكثر مما اشتهر بشعره قوله:
Halaman 95