واجتمع الوزراء، وقرروا رفض المذكرة، ولما قبلها توفيق اضطروا إلى الاستقالة.
وهاج الشعب على أثر ذلك, واشتد سخطه, وقدموا احتجاجات قوية لتوفيق, يطلبون فيها رفض طلبات إنجلترا وفرنسا, والإبقاء على عرابي في الوزارة، وإذا أبى توفيق عزل عزلا، واضطر توفيق بعد استشارة "قناصل" الدول الأجنبية إلى الإبقاء على عرابي زيرا للحربية حفظا للأمن، وبقيت الوزرات الأخرى شاغرة إلى حين.
لما طالب الجيش بعزل توفيق راودت البارودي نفسه ونازعته يومئذ إلى المجد المؤمل، وإلى مكان أجداده المماليك الذين حكموا مصر، فخاض الصورة مع الخائضين، ولكنه رأى بعين فراسته أن التيار شديد، وأن انجلترا وفرنسا تتربصان بمصر الدوائر، وأحس بالخطر, وعلم أن لا قبل له بمواجهته, فنصح لعرابي وإخوانه وصارحهم برأيه، وحاول الاعتزال في مزراعه، ولكن هيهات، وقد جرى مع الضباط شوطا بعيدا، ربط حظه بحظهم، وإن لم تعد له الصدارة كما كان.
وفي هذا يقول:
نصحت قومي وقلت الحرب مفجعة ... وربما تاح أمر غير مظنون
فخالفوني وشبوها مكابرة ... وكان أولى بقومي لو أطاعوني
تأتي الأمور على ما ليس في خلد ... ويخطئ الظن في بعض الأحايين
حتى إذا لم يعد في الأمر منزعة ... وأصبح الشر أمرا غير مكنون
أجبت إذ هتفوا باسمي ومن شيمي ... صدق الولاء وتحقيق الأظانين
وأخفقت الثورة، ونفي مع زملائه إلى "سرنديب" فأقام بها سبعة عشر عاما وبعض عام، وظل وزملاؤه سبعة أعوام في "كولومبو", ولما دبت بينهم البغضاء، وألقى كم منهم التبعة على زميله، فارقهم البارودي.
Halaman 176