Faysal Pertama: Jelajah dan Sejarah
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
Genre-genre
وقد قال ناجي للمؤلف: «كنا نتحدث ذات يوم في المعاهدة، فسألت المندوب السامي إذا كان قد تم نصها، فأجاب: قد تقررت المواد المهمة كلها، ولكن ينبغي أن ترسل إلى لندن ليحررها الثقات والإخصائيون في الوزارة. فقلت: وهذا ما نخشاه؛ فقد نتفق وإياكم في هذا البند أو في تلك المادة، ولكن أوضاعها تقلب علينا إذا اختلفنا بعدئذ في تفسيرها ... ويظهر أن عندهم دائرة مخصوصة لتحرير المعاهدات، سمها إذا شئت دائرة المط، أما نحن فليس عندنا غير عقولنا على فقرها، وقد طالما قلت لجلالة الملك إن المعاهدة، قبل أن يقرها المجلس، بل قبل أن توقع، ينبغي أن يطلع عليها أحد الإخصائيين المتضلعين خصوصا بالشرائع الدولية.»
لم تكن المعاهدة الحاضرة قد بلغت تلك المرحلة التي تستوجب عناية الإخصائيين، بل كانت لا تزال في طور النشوء البطيء، فلزمها لتخرج منه مساعدة وزير قوي جريء حكيم؛ قوي يغالب المتطرفين ويتغلب عليهم، وجريء يجابه الحقائق ويهتدي بها، وحكيم يدرك أن المساعدة البريطانية لا تقدم للعراق مجانا لوجه الله.
كان الملك فيصل أكثر علما بذلك من المندوب السامي، ولكنه مشى متمهلا على عادته، وإن قيل إنه متباطئ متردد، فكان يتحين الفرص لتغيير الوزارة، فلا يفاجئ صديقا له، ولا يتنقص حقه. وفي أواسط آذار من هذه السنة أفسحت وزارة السويدي الكبير، كما أفسحت وزارة السويدي الصغير قبله، للعمل الذي كان الملك يتجهز له؛ للوزارة التي علق عليها آماله الكبرى. والأمل بالله إننا سنجتاز الأزمة هذه المرة بخير وسلام، فإن في وجه المندوب المشرق وفي خطواته الوطيدة، كما في عافية رئيس الوزارة نشاطه، ما يضمن سلامة الاثنين، فلا يتعثر الواحد بالقدر، ولا يتأثر الموت الآخر إبان العمل، إن شاء الله.
إن لنوري السعيد من المزايا العقلية والنفسية ما يجيز المقارنة بينه وبين السر فرنسيس همفريس؛ فهو جندي سياسي طيار، له شجاعة الأول، ومرونة الثاني، ونظر الثالث البعيد، يرى وهو على الأرض ما دون الأفق الذي لا يتسع إلا لمن كان في الفضاء عاليا، ولا يزال ممتعا بحسنات الشباب، بريعانه وإقدامه ونزاهته، أضف إلى ذلك ما جناه من الخبر والعلم كوزير في أكثر الوزارات السابقة، فصار سريع الإدراك للفرصة السانحة، فينتهزها ويثب خلالها إلى فصل الأمور.
تولى نوري رئاسة الوزارة في 19 آذار سنة 1930، وفي الشهر التالي أقدم والسر فرنسيس همفريس على العمل الخطير؛ وثبا الوثبة الأخيرة إلى المحجة العليا، ثم في الشهر الثالث من عهده السعيد تمت المفاوضات ووقعت المعاهدة الجديدة؛ معاهدة التحالف البريطاني العراقي، التي يحق أن تدعى باكورة العهد الجديد في العراق.
كان الملك فيصل يومئذ في أوروبا ينشد العافية، وهو متيقن نتيجة ما دبر قبل سفره، مطمئن إليها. وقد خطب خطبة هناك، شكر فيها الحكومة البريطانية على ما بذلته نهائيا في سبيل العراق، وأعرب عن أمله أن تحظى بلاده بمساعدات أخرى منها، بعد أن تسوى المسائل السياسية كلها. إلى أن قال: «إن في العراق مجالا متسعا للمشاريع البريطانية، وعندما يجيئنا البريطانيون مرشدين معاونين، نافعين منتفعين، نرحب بهم كل الترحيب، ونتعاون وإياهم فرحين شاكرين.»
بقي أن تجتاز المعاهدة المرحلة الأخيرة؛ أي المجلس النيابي. ولا بد ها هنا من كلمة في الأسلوب الذي تتخذه في مثل هذه المواقف حكومة العراق، عندما يكون لدى رئيس الوزارة معاهدة للإقرار مثلا، فهو يزن مجلسه، إذا صح التعبير، أو يسبر غوره إذا آثرنا هذا المجاز، فإن كان غير موافق يحله في الحال. ثم تجرى بعد ذلك الانتخابات، فيجيء المجلس - سقيا للأساليب الانتخابية ورعيا - وفق الطلب. كذلك عمل السعدون في سنة 1928، وكذلك عمل نوري في صيف هذا العام.
إني أرجوك ألا تصدق التقرير الرسمي في الموضوع؛ فقد وقع نائب الملك الأمر بحل المجلس، وبعد ذلك؟ جاء في التقرير: «وقد جرت بعد ذلك الانتخابات العامة لتتمكن الأمة من الإعراب عن رأيها بالمعاهدة.» هو اللغو بعينه. إن مثل هذه السذاجة، ومثل هذا التمويه ليندر في من يكتبون التقارير الرسمية، فإذا كان الكاتب لا يستطيع أن يذكر الحقيقة، فلم لا يختار - هداه الله - نوع الشجاعة الآخر؛ أي السكوت؟
اجتمع البرلمان الجديد - الثالث - في أول تشرين الثاني، وقد فاق في وطنيته تصور نوري وآماله؛ إذ إنه أقر المعاهدة بما يقرب من الإجماع.
وكان في ذلك للملك فيصل الفوز المبين، كيف لا وفي هذه المعاهدة الحكم المبرم على الانتداب؟! فقد أبرمت الحكم بعدئذ عصبة الأمم.
Halaman tidak diketahui