Faysal Pertama: Jelajah dan Sejarah
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
Genre-genre
بيد أني أستعين، وأنا أعود الآن إلى تقصي الحوادث، ببعض الوثائق والتقارير الرسمية؛ علني أستطيع أن أجلو للقراء خبر ذلك الحدث أو أزيل شيئا من غموضه.
أعيد إذن السؤال: هل كان الملك فيصل مكرها في قبول معاهدة سنة 1927؟ يسارع بعض الكتاب والسياسيين العرب، في مثل هذه الأحوال، إلى اتهام الحكومة البريطانية بالمكر والخداع، دون أن يتحققوا الحوادث، ودون أن يثبتوا التهم. وقد قالوا في الحادث الذي نحن بصدده إنها أثارت عرب نجد على العراق في ذلك الحين لتنفذ سياستها فيه؛ لتجبر الملك فيصلا على قبول المعاهدة. وفي ظاهر الأمر ما يبرر الظن على الأقل؛ فقد أغار عرب نجد على العراق في خريف سنة 1927 ثم في شتاء السنة التالية.
ولكن ذلك لا يثبت الحقيقة كلها، فهل كان عرب نجد، أو بالحري هل كان الملك عبد العزيز بن سعود مدفوعا من الحكومة البريطانية في تلك الإغارات لإكراه العراق وإذلاله؟ إذا لم يكن الأمر كذلك، فكيف اتفقت يا ترى تلك الإغارات وانقطاع تلك المفاوضات بتاريخها الواحد؟ فهل هي الصدف؟ هل هي الأقدار التي أضرمت النار على حدود العراق عندما كان العسكري يتجهز للرحيل؟ فإذا كانت الصدف أو الأقدار بريئة من هذا الاثم، فهل الإنكليز بريئون؟ وإذا لم يكونوا بريئين، فهل الإنكليز وحدهم ملومون؟ أوليس اللوم الأكبر على العرب الذين يقبلون بأن يذلوا إخوانهم العرب لإعزاز الأجنبي؟ إني أجل ابن سعود عن مثل هذه المعرات. وإن الحقائق الراهنة في هذه المسألة لا تبرر حتى الظنون؛ فقد كان لحوادث نجد وإغارات أهله أسبابها النجدية العراقية، وكان للإنكليز كذلك يد فيها، ولكن الصلة مفقودة بين سياسة الأمن وسياسة المعاهدات. وبكلمة أخرى إن للسلسلة التي تربط البادية بوزارة المستعمرات حلقة مفقودة، ولا نظنها، فيما يتعلق بموضوعنا موجودة .
أما الملك فيصل، فإني أميل إلى الاعتقاد أنه كان يجاري الوزراء أصحابه ويتبع في الوقت نفسه سياسة خاصة به، فيوصل الخيوط ويقطعها عملا بتطور الأحوال. أذكر كلمة بليغة لأحد العرب وفيها حكمة رائعة: «غلبتمونا ولكنكم جهلتم أننا شئنا هذه الغلبة لكم.» ولا عجب إذا انتهج الملك فيصل هذا المنهج، بعد تلك الوليمة، وهو متيقن أنه سيرطم الإنكليز برطمة المعاهدات التي تتابعت السنة بعد السنة، فتزداد العقد تعقيدا، ويقنطون إذ ذاك من الغلبات غير المفيدة.
وكان بعض السياسيين قد بلغوا هذه المرحلة، فقامت صحافتهم تندد بالحكومة - هذه هي الدعاية التي رحب فيصل بها - فقالت إن الحالة أمست لا تطاق، وإنها «من أنكر الحالات في العلاقات الدولية الحاضرة» وعندما يرفض المجلس النيابي العراقي المعاهدة غدا، فماذا عساها أن تقول في «الحالة المنكرة»؟ إذن سنورد هذه المعاهدة حتفها، سنشيعها إلى القبر، وسيكون في الجنازة النصر الباهر للمعارضة ... للبلاد!
أما الحكومة البريطانية فقد أعدت كذلك العدة للعمل، وكان المندوب السامي السر هنري دوبس متأهبا للسفر والجهاد. واحد يريد دفن المعاهدة وآخر يريد تتويجها. انتقل المسرح من لندن إلى بغداد، وجاء المتصارعون - الملك والعسكري والسر هنري - يستأنفون الصراع، من مدينة الضباب جاءوا إلى مدينة الغبار، وفي الحالين حال الستار، دون الأبصار.
ما كان المندوب السامي ليطمئن إلى وزارة العسكري فباشر لإسقاطها، ولو كان له أن يرى شيئا من مناورة جعفر الأولى لكفى نفسه مئونة المناصبة. جاء جعفر بالمعاهدة للدفن لا للتتويج، وأول ما كان من مناورته عند وصوله إلى بغداد أنه أذاع مضمونها، فأثار عليها الرأي العام. حملت عليها الصحافة حملات شديدة، وقامت المعارضة تندد بها وبالوزير حاملها. رمى جعفر بالمعاهدة إلى الأمة تمزقها قبل أن تصل إلى المجلس وهو يضحك في سره، ثم استقال. وقد عدت استقالته النصر الأول للسر هنري دوبس.
ثم دعي عبد المحسن السعدون لتأليف وزارة جديدة. وعبد المحسن صديق الإنكليز، وهو الذي حمل المجلس منذ سنة على إقرار المعاهدة القائمة. لبى عبد المحسن الدعوة، فعد ذلك نصرا ثانيا للسر هنري .
وهذا البرلمان لا لا يعول عليه فينبغي أن يحل، وكان عبد المحسن يرى هذا الرأي فحل البرلمان، وفاز السر هنري فوزه الثالث.
ثم جرت الانتخابات؛ وكان لحزب التقدم - حزب السعدون - الأكثرية الساحقة في المجلس، الذي اجتمع في أيار سنة 1928، فتم النصر للسر هنري دوبس.
Halaman tidak diketahui