Faysal Pertama: Jelajah dan Sejarah
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
Genre-genre
لنعد إلى حقائق الحياة الدنيا، إلى موضوعنا، قد أشرت إلى الغيوم في سماء الأمير فيصل العراقية، وأسميت غيمتين منها، بدد الدهر إحداهما. وهناك غير الواحدة الباقية؛ أي غيمة الجمهورية في شخص فلبي؛ مما كان يقلق خصوصا دار الانتداب؛ فقد كان المحافظون - وعلى رأسهم السيد عبد الرحمن النقيب - ملكيين، شريفيين، وبإذن الله فيصليين - لا يفوتنك أن بعضهم كانوا متشيعين لأخيه الأمير عبد الله - وكان الوطنيون المتطرفون، وأكثرهم من الذين أداروا من سوريا الدعاية للثورة وعادوا إلى بغداد، من دعاة الأمير وأنصاره قلبا وقالبا، بقي أهل الشيعة وهم على الإجمال في حال غامضة كان يصعب التكهن بها، والعشائر وهم مترددون متقلقلون، والأقليات - المسيحيون واليهود - الذين كانوا يحسبون القوة المسيطرة ملجأهم الأول، وحصنهم الأدوم.
ولكن القوة المسيطرة كانت تنظر إلى الجميع في تلك الأيام نظرها إلى الأقليات، هي للكل بما ستقيمه من الحق، وتضمنه من الحقوق، وتحميه من المصالح العامة - إن شاء الله - وإنها لمستعينة على ذلك بالأمير فيصل، جهرت بهذا مرارا، وكانت فيما تجهر صادقة.
أجل، قد كان الإنكليز يعولون حقا على الأمير في سياستهم الجديدة، وكانوا ينتظرون منه، لما علموا وتحققوا من مواهبه وسجاياه، أن يكون بنفسه الدعاية الكبرى لنفسه، والبرهان الساطع على حسن اختيار البريطانيين.
وكانوا يتوقعون منه فوق ذلك أن يأتي ببعض المعجزات، هو ذا العراق وأهله، قضاتك اليوم، وشعبك غدا، فيجب عليك أن تسحر الشيعيين، وتفتن السنيين، وتقنع النصارى، وترضي اليهود، وتبعث خوف الله في قلوب العشائر. يجب عليك، وأنت الساحر، أن تستولي على العقول والقلوب في الشيوخ والشباب، في المحافظين والمتطرفين، في المعممين والمتطربشين. عليك أن تفتنهم، تسحرهم جميعا، وتسحر معهم ذلك الخليط الأثري من الشعوب؛ أي الأقليات المسيحية واليزيدية والبهائية والصابئة واليهودية.
فإذا كان ذلك كله في استطاعة الأمير، رضيت الأمة عنه (والتاج لا يزال رهن رضاها) وهانت مهمة الانتداب. على أن للمسألة وجهة أخرى؛ فإذا جاء بالمعجزات، أفلا يطمع بعد ذلك بالحكم المطلق؟ أفلا يصبح في الأقل فوق طاقتهم، هو ذا المشكل الأكبر الذي وجب حله على السر برسي والمس بل وأعوانهما، وما رأوا له غير حل واحد؛ هو في حفظ التوازن بين الفريقين، وفي مسلك الاعتدال لكليهما. فيجب على الأمير أن يذكر على الدوام أن لولا الإنكليز لما كان في العراق، ولا يغيب عن بال الإنكليز أن مصاعبه هي مصاعبهم، فيجب عليهم أن يساعدوه في مقاومتها وفي التغلب عليها.
علينا إذن أن نحمل الميزان من أجل البلاد - أية بلاد؟! - وأن نحافظ على التعادل بين كفتيه، علينا نحن المسيطرين ألا نقيد أنصار الأمير المتطرفين كل التقييد، وأن نساعد المحافظين ليزدادوا قوة ونشاطا، ولا يتم لنا ذلك بغير الكياسة والمرونة، فنرعى ذمام أهل الوجاهة في البلاد، ونعالج العداوات بالتي هي أحسن.
إني أعطيك بكلمة أوضح فكرة المسيطرين: ينبغي ألا يكون الملك بطلا، وألا يكون خيالا، ليس دور الساحر دور فيصل إذن، بل هو دور المندوب السامي، وإنك لتدرك شيئا من أسلوبه السحري في موقفه الأول، فهاك إلى يمينه المس بل، وهي تمدح في رسائلها إلى أمها «وطنيينا الأعزاء»، وإلى يساره المستر فلبي، وهو يرسل كلماته في الجمهورية ولها، فتصل حتى إلى العشائر على الفرات، أضف إلى ذلك المساعي الرسمية، وغير الرسمية، التي كانت تبذل لتأليف حزب شريفي من شتى العناصر السياسية والدينية.
وما كان المتطرفون قابعين في المقاهي يدخنون الأراكيل، بل كانوا في أعمالهم أشد تيقظا وأكثر نشاطا من الأحزاب الأخرى. وقد سافر وفد منهم إلى البصرة ليرحب بالأمير، ويعلمه بدقائق الأمور وخفاياها، نعم، أذنت المفوضية بالسفر، ولكنها ضنت بالأخبار، وما كان في البصرة أحد من الموظفين عالما بموعد وصول الأمير، ولا فرق إن جهلوا أو تجاهلوا؛ فعندما وصل الوفد إلى المرفأ كانت الباخرة راسفة بحبال من مسد مشدودة إلى أوتاد من حديد، وكان الأمير قد أصبح بعيدا، وهو أسير المرحبين به من أصدقائه «العاقلين» الإنكليز والعراقيين.
أما في بغداد فالفيصليون أعدوا مظاهرة كبرى للترحيب، وراحت الحكومة الموقتة، يحف بها الأنصار، ترحب بالأمير في المحطة، ولكن أولي الأمر ها هنا كذلك جهلوا أو تجاهلوا موعد وصول القطار، وكان بين الجموع المنتظرة عدد وافر من الإنكليز رجالا ونساء، فشكوا مثل الأهالي التأخير، وتأففوا من الظهيرة في تموز. وبينا الجموع في هذه الحال، يشكون الحر والانتظار، جاءت برقية تقول إن القطار متأخر ساعتين، فارتأى المندوب السامي - رحمة بالعباد - أن يتأخر سبع ساعات بدل الساعتين، وكان كذلك، فوصل القطار ليلا، وكان الاستقبال رسميا، باردا.
تحدث أحد الإنكليز - رفيق الأمير في رحلته هذه - إلى المس بل، فأخبرها بما كان من فتور الترحيب الأهلي، وقد كان الأمير متيقنا أن السلطة المحلية في الطريق تستطيع - إذا شاءت - أن تجمع الناس، وأن تحول دون اجتماعهم، بيد أنه أخبر وهو في القطار أن السر برسي كوكس متردد في ولائه، ومتخذ موقف الحياد، وأن المستر فلبي يبشر بالجمهورية ويدعو لها، وأن المس بل وحدها هي قلبا وقالبا من أنصاره. لله در تلك الإنكليزية الكريمة الباسلة؛ فقد طالما سمع الأمير عجيب أخبارها، وعلم شيئا من ولائها وإخلاصها له وللعرب، فعندما وصل القطار إلى المحطة في مساء ذاك اليوم، تقدم إليها مصافحا شاكرا. ومنذ تلك الساعة إلى آخر يوم من حياتها العجيبة في بغداد ظل يحترمها، ويعدها من أخلص أصدقائه الإنكليز، ومن أكثرهم فضلا.
Halaman tidak diketahui