Faysal Pertama: Jelajah dan Sejarah
فيصل الأول: رحلات وتاريخ
Genre-genre
فقد قام العراقيون قبل التتويج ببضعة أشهر ينادون بالاستقلال ويطالبون به، وكان يحرضهم على ذلك الضباط العراقيون في الجيش العربي في سوريا، ومن عاونهم من الموظفين الإنكليز في الحكومة السورية، أولئك الذين كانوا ناقمين على إخوانهم في العراق و«خطتهم الهندية» في إدارة شئون البلاد. فالضباط العراقيون إذن، والموظفون الإنكليز في الشام، شجعوا العراقيين في نهضتهم، وبثوا تلك الدعاية التي رفعت أعلامها أولا في دير الزور، وأخذت تنتشر بسرعة في البلاد، من الشمال إلى الجنوب؛ من دير الزور إلى تل عفر، فالموصل، فبغداد، فكربلاء والنجف.
وقد كانت هذه الدعاية من الوجهة الإنكليزية جد محزنة؛ إذ إن الفريق الواحد من سياسيي الإنكليز لم يكن يعلم بما يفعل الفريق الآخر، بل كانوا في حقيقة الحال يحملون بعضهم على بعض، وكان العرب وحدهم الغانمين. ومن فواجع الإنكليز، وبعضها يضحك، أن الحكومة السورية، التي كانت تستمد يومئذ قوتها المالية من لندن، أمدت الوطنيين العراقيين بالمال؛ أجل! قد استخدم «الخيال الإنكليزي» لطرد الإنكليز من العراق!
هذه النهضة بلغت أوجها في شهر آذار سنة 1920، أي شهر التتويج في دمشق، وما كان فيها سر أو غموض. هي نهضة وطنية ذات خطة محدودة، وهدف معلوم، وكان الهدف سوري الشعار - هاكم سوريا مستقلة، فليكن العراق مستقلا مثلها، وكانت الخطة سورية عراقية - ليكن للعراق كما لسوريا ملك هاشمي، وخير من ذلك، ملك هاشمي للقطرين.
وبعد شهرين، أي في رمضان، حدث في العراق حادث خطير لم يسبق له مثيل هناك؛ فقد قام الشيعيون والسنيون بمظاهرة وطنية ولائية كبرى، وهم يدعون للاتحاد في سبيل الوطن. ومن مظاهر هذا الاتحاد حفلات المولد المشتركة التي كانت تقام في الجوامع والمساجد، فيحضرها السنيون والشيعيون، ويحولون الحفلة، بعد الصلاة، إلى اجتماع سياسي تلقى فيه الخطب المشعلة لنار الثورة، وتتلى القصائد المثيرة كالرياح لهيبها.
وعند انقضاء شهر رمضان خرج من سوريا السيد جميل المدفعي بحملة مجهزة، ينصر إخوانه الهاشميين في العراق، فاجتاز ورجاله نهر الخابور، وغزوا تل عفر، ثم غنموا من سيارات الإنكليز المصفحة اثنتين، بعد أن ذبحوا اثني عشر من رجالهم، وفيهم الوكيل السياسي وقائد جيش «الليفي» في الموصل.
هذه هي جذوة الثورة الأولى، التي أشعلت في الشمال، في الأسبوع الأول من شهر تموز، وبعد أسبوعين اعتقلت السلطة الإنكليزية في كربلاء وفي الحلة عددا يذكر من الوطنيين، وفيهم ابن أحد المجتهدين، ثم اعتقلت الشيخ شعلان أبو الجون شيخ عشيرة الظوالم لدين عليه أبى أن يدفعه كما قيل؛ فهاج عرب الظوالم نافرين له، وجاءوا السراي صاخبين، فهجموا على السجن ودخلوه قهرا، ثم خرجوا بشيخهم يحدون ويهللون للثورة.
وعلى أثر ذلك أفتى مجتهد كربلاء بالجهاد، فاندلعت من كل جانب ألسنة النار ونفرت العشائر للقتال، أما الإنكليز فقد كانوا في سياستهم منقسمين، وكان أولو الأمر في السلطتين المدنية والعسكرية في نزاع شديد مستمر. زد على ذلك أن عدد الجيش يومئذ، نحو أربعين ألفا، لم يكن كافيا للدفاع؛ وأن قائد الجيش السر إلمر هلدين، فرارا من حر الصيف في العراق، نقل المركز العام إلى كرند في جبال العجم؛ مما حمل أحد شعراء الإنكليز في بغداد على هجوه بقصيدة.
3 •••
ليس من موضوع هذا الكتاب سرد حوادث الثورة مفصلا، لكن لا بد من القول إنها كانت ثورة ولا كالثورات. وأغرب ما فيها أنها اشتعلت اشتعال النار في الهشيم، دون زعامة تعرف أو ترى، إلا إذا حصرت في مجتهدي النجف الذين أضرموا نارها وتواروا، فسكتوا بعد ذلك أو أسكتوا.
ومع ذلك فقد انتشرت بسرعة البرق، من الديوانية إلى بعقوبة، ومن النجف إلى تل عفر. وكان رجال العشائر أول من سارعوا للحرب، فحاصروا السماوة والكوفة - الأولى أسبوعين والثانية ثلاثة أشهر - وخربوا سكة الحديد في أماكن متعددة، وهاجموا المعسكر في الحلة مرارا، وكانت خسارة الإنكليز في فرقة «منشستر»، التي خرجت لمحاربة الثائرين، 180 قتيلا و60 جريحا. بعد هذه الفاجعة أخلى الإنكليز الديوانية.
Halaman tidak diketahui