، وهو أبيقوري آخر كان معاصرا للوكريتيوس، فقد أضاف إلى ذلك قوله: «إن الموسيقى لا معقولة، ولا يمكنها أن تؤثر في النفس ولا في الانفعالات، وهي لا تفوق الطبخ من حيث هي فن تعبيري.»
53
وقد شن فيلوديموس حملة على الفلاسفة الذين جعلوا للأساليب الموسيقية اليونانية دلالة أخلاقية، مثل أفلاطون وأرسطو، ورفض أن يصدق أن الموسيقى تحاكي الظواهر الطبيعية أو تعبر عن حالات ذهنية. وهكذا انتهى فيلوديموس إلى أن الفلاسفة والنقاد الذين لا يمكنهم إجادة العزف أو الغناء هم وحدهم الذين يعزون إلى الموسيقى دلالة أخلاقية، وبذلك «يقعون فريسة حالات من النشوة ويشبهون الأنغام بالظواهر الطبيعية.»
والواقع أن كتاب لوكريتيوس «في طبيعة الأشياء»، ينطوي على خلاصة الفكر الأبيقوري. وهو يتضمن أيضا نظرية في أصل الموسيقى الغنائية وموسيقى الآلات؛ فقد تعلم الإنسان الغناء أولا بمحاكاة الطيور، ثم اخترع آلات تصاحب غناءه ورقصه في أوقات فراغه «غير أن تقليد الأصوات الواضحة للطيور بالفم كان شائعا قبل وقت طويل من تمكن الإنسان من الغناء في أبيات شعرية منغمة منسابة، ومن تشنيف الآذان بغنائه، كما أن صفير النسيم خلال ثقوب القصبات كان أول ما علم أهل الريف نفخ المزامير المفرغة، ثم تعلموا بالتدريج كيف يعزفون الأغاني العذبة الحزينة، التي تنبعت عن المزمار عندما تضغطه أصابع العازفين، والتي تسمع خلال الأحراش الكثيفة والغابات والمراعي، وعبر الديار المهجورة للرعاة والبيوت ذات الهدوء السماوي. هذه الأنغام كفيلة بأن تهدئ نفوسهم، وتبعث فيها الرضا عندما لا تكون بها حاجة إلى الطعام.»
54
وفي خلال حكم الأباطرة الرومان، ضم المذهب الأبيقوري بين صفوفه جماعة مستنيرة كانت تعارض البقية الباقية من مذهب تعدد الألوهية الوثني، بقدر ما كانت تعارض اللاهوت المسيحي. أما المدرسة الرواقية في الفلسفة، التي أسسها زينون (حوالي 350-258ق.م.) فكانت تمثل جماعة عقلية ظهرت في العهد الروماني المتقدم، وتسعى إلى إحياء بقايا العقيدة اليونانية، وقد رفض الرواقيون نظرية المثل عند أفلاطون، كما رفضوا فكرته في المعرفة الفطرية، وذهبوا إلى أن الحس هو المصدر المشترك لكل معرفة بشرية. وكان الشعار الرفيع للفلسفة الرواقية هو الفضيلة من أجل الفضيلة، وأسمى خير هو ذلك الذي يستمد من أداء المرء لواجبه بدافع البحث فحسب. وكانوا يرون أن الحكيم وحده هو الحر؛ لأنه تعلم كيف يقهر الميل إلى الكسب المادي وعبودية الشهوات؛ فالحكيم يستسلم تماما لكل ما قضت به الطبيعة والقدر، والعقل يدفع الحكيم إلى قبول هاتين القوتين، بوصفهما العاملين اللذين يتحكمان في كل تفكير وسلوك. وعلى ذلك فالواجب على الناس جميعا أن يتبعوا الطبيعة ويستسلموا تماما لها وللقدر الذي تخبيه لكل إنسان. ولما كان انسجام الموسيقى يقتدي بأنموذج الانسجام الطبيعي، فمن الممكن مساعدة الإنسان على أن يحيا وفقا للطبيعة إذا أسمعناه الأساليب والإيقاعات الموسيقية الصحيحة. وفي هذه النقطة كان الرواقيون متفقين مع أفلاطون.
وقد أنبأنا الرواقيان شيشرون (106-43ق.م.) وسنكا (4ق.م.-65م) أن الموسيقى قد ازدهرت في جميع أرجاء العالم الروماني قرب نهاية القرن الأول، وقد اهتم الرومان بالإيقاع اهتماما خاصا، وهناك من الدلائل ما يشير إلى أنهم استخدموا نوعا بدائيا من «البوليفونية» (تعدد الأصوات)، وكان هناك إقبال شديد على اليونانيين الجوالين الذين كانوا يقومون بتمثيل أدوار حركية، ويغنون ويعزفون على الآلات الموسيقية. وكانت الطبقات العليا من الرومان تشجعهم، وعامة الناس تعجب بهم كثيرا. ولما كان الرومان ينظرون إلى أنفسهم على أنهم دولة عسكرية عظمى، فقد توسعوا في استخدام الآلات النحاسية، مما يذكرنا بأرسطوكسينوس الذي رأى أن العمق الذي يتميز به النظام الموسيقي اليوناني يضيع في حضارة يحل فيها الكوليزيوم محل المسرح،
55
وتشيع فيها أبواق الجند أكثر مما تشيع مزامير الرعاة.
والمؤلف الشامل الوحيد الذي بقي لنا كاملا من العصر اليوناني الروماني هو كتاب أريستيدس كونتليانوس
Halaman tidak diketahui