إلى الفكرة القائلة بالمقامية الممتدة
extended tonality ، وسرعان ما أصبح من المشكوك فيه إن كان هذا الجذر الهارموني قد ظل هو المركز الذي ينبغي أن يرد إليه كل توافق (هارموني) وكل تعاقب توافقي. كذلك أصبح من المشكوك فيه إن كان لنغمة الأساس، أو الجذر الهارموني حين يظهر في بداية التأليف، أو في ختامه، أو في أي موضع آخر معنى إيجابي. والواقع أن الهارمونية عند ريشارد فاجنر قد أحدثت تغيرا في منطق الهارمونية وفي قوتها الإيجابية. ومن نتائج هذا التغير ما يسمى بالاستخدام التأثري
impressionistic
للتوافقات، كما كان يمارسه ديبوسي بوجه خاص؛ فكثيرا ما كانت هارمونياته، التي لا يوجد لها معنى إيجابي، تخدم غرضا تصويريا هو التعبير عن الأحوال النفسية والصور، وهكذا فإن الأحوال النفسية والصور، رغم كونها خارجة عن المجال الموسيقي الخالص، قد أصبحت عناصر بناءة مندمجة ضمن الوظائف الموسيقية. وأدت إلى نوع من الفهم (أو الوعي) الانفعالي. وعلى هذا النحو أنزلت المقامية عن عرشها عمليا، إن لم يكن نظريا. وربما لم يكن هذا وحده كافيا لإحداث تغير جذري في أسلوب التأليف الموسيقي، ولكن هذا التغير أصبح ضروريا عندما حدث في نفس الوقت تطور انتهى إلى ما أسميه تحرر التنافر الهارموني؛ ذلك لأن الأذن أخذت تعتاد تدريجيا عددا كبيرا من التنافرات الهارمونية، وبذلك تخلصت من الخوف من تأثيرها «الذي يصدم الإحساس» ولم يعد المرء يتوقع إعدادا هارمونيا لتنافرات فاجنر أو حلا هارمونيا لتآلفات شتراوس المتنافرة، ولم يعد المرء يفزع من هارمونيات ديبوسي غير الوظيفية، أو من الكنترابنط المتنافر لدى الموسيقيين المتأخرين. هذه الحالة أدت إلى استخدام التنافر الهارموني على نحو أكثر تحررا مما كان الموسيقيون الكلاسيكيون يستخدمون به تآلفات «السابعة الناقصة» التي كان يمكنها أن تسبق أو تلحق أي تآلف هارموني آخر، سواء أكان متوافقا أم متنافرا، وكأنه لا تنافر هناك على الإطلاق.» «وإذن فما يميز التنافر من التوافق ليس ازدياد درجة الجمال أو نقصها، وإنما ازدياد درجة القابلية للفهم أو نقصها.»
35
ولقد كان ألبان برج
Alban Berg (1885-1935) أبرع موسيقيي فينا الذين اجتذبتهم أفكار شونبرج الجمالية في الموسيقى. وأعظم أعماله هي الأوبرا «فوتسك
Wozzeck » المبنية على رواية كادت أن تنسى تماما لجورج بوخنر الذي مات منذ أكثر من مائة عام في الرابعة والعشرين من عمره. وألبان برج هنا يعبر عن مرارة الشباب، وعقم الحياة، ويأس الإنسان، بالغناء والأوركسترا، وذلك بانفعال وروح درامية تقرب بين مأساة الحياة وبين جلال الفن.
ذلك لأنه يستخدم آراء شونبرج الجمالية في طبيعة المقامات الموسيقية، والقوة الدرامية لفاجنر، وألحان مالر الآسرة، في تصوير عقل فوتسك المشوش، الذي لا يجد مهربا من الحياة إلا في الموت. ولا جدال في أن الموسيقى هنا جديدة وفعالة وذات تأثير درامي عميق. ومع كل ذلك فمن الممكن أن ينظر إلى أوبرا «فوتسك»، في التاريخ الموسيقي على أنها آخر الأوبرات الرومانتيكية في القرن العشرين؛ ذلك لأن نصها الكلامي يتعلق بالمرضى والمخبولين والموتى. وهي أوبرا غريبة، متشنجة، إن لم تكن مغرقة في الخيال، تمثل الانحلال الرومانتيكي الذي جعل جوته يرفع صوته محذرا، وشبنجلر يصدق عليه في ملاحظاته القائلة: إن الرومانتيكي يمثل كل ما هو مريض ، وهو حشرجة الموت للحضارة الغربية. ولكن مهما قيل عما تتضمنه أوبرا برج من سبر الأغوار الباطنة للذهن بطريقة نفسية مريضة، فإن لموسيقى «فوتسك»، وكذلك أوبرا لولو
Lulu
Halaman tidak diketahui