Arthur Schopenhauer (1788-1860م) كانت الموسيقى تعد «تعبيرا موضوعيا مباشرا، وصورة للإرادة الكلية، شأنها شأن العالم نفسه، بل كالمثل ذاتها، التي تكون مظاهرها المتعددة عالم الأشياء الفردية»؛ فالموسيقى في رأي شوبنهور «ليست كالفنون الأخرى» في كونها للمثل الأفلاطونية، «وإنما هي صورة لنفس الإرادة التي تعد المثل مظهرا موضوعيا لها؛ لهذا كان تأثير الموسيقى أقوى وأعمق بكثير من تأثير الفنون الأخرى؛ إذ إن هذه الفنون الأخرى لا تتحدث إلا عن مظاهر، على حين أن الموسيقى تتحدث عن الشيء في ذاته.»
7
ذلك لأن العمارة والنحت والتصوير تعبر عن مراحل متدرجة تنكشف بها إرادة الإنسان وجهوده، أما الموسيقى فهي العمل الذي يتوج هذه كلها؛ لأنها هي المجموع الكامل لكل تعبير فني، وصوت الإرادة الكاملة للإنسان والطبيعة؛ فبالموسيقى تكشف الطبيعة لنا عن أسرارها الباطنة ودوافعها وأمانيها بطريقة تجل على العقل، ولكن يدركها الشعور. ولقد وجه شوبنهور لومه إلى ليبنتس؛ لأنه رفض الموسيقى حين جعلها حسابا لا شعوريا لأعداد، وحور كلمة ليبتس بالطريقة الملائمة لمعتقداته الخاصة - كما فعل سقراط في مجاورة فيدون - فقال إن الموسيقى ليست حسابا لا شعوريا لأعداد، وإنما هي ممارسة غير واعية للميتافيزيقا؛ أي إنها تفلسف لا شعوري.
8
وقد اتفق شوبنهور مع كانت وهيجل على أن الموسيقى فن يعبر بطريقة غير محددة المعالم؛ فهو يقول إن الموسيقى «لا تعبر عن هذا الفرح المعين أو ذاك، أو هذا الحزن أو الألم أو الرعب أو السرور أو المرح أو الطمأنينة أو ذاك، وإنما هي تعبر عن الفرح والحزن والألم والرعب والسرور والمرح والطمأنينة في ذاتها؛ أي بطريقة مجردة إلى حد ما؛ فهي تعبر عن الطبيعة الكامنة لهذه المشاعر، دون إضافات من الخارج، وبالتالي دون دوافعها الظاهرية. ومع ذلك فنحن نفهمها، في هذه الخلاصة المستمدة منها، على أكمل نحو.»
9
والموسيقى في رأي شوبنهور صورة للإرادة، كما أن الأصوات الموسيقية تناظر مراحل معينة في تطور الطبيعة؛ فأخفض الأصوات الهارمونية، وهو «الباص» أشبه بالطبيعة الخام غير العضوية، التي يرتكز عليها وينشأ ويتطور منها كل شيء آخر، والأصوات الأربعة تناظر العالم المعدني والنباتي والحيواني، بحيث يكون اللحن هو «أعلى مظهر موضوعي للإرادة، يناظر الحياة العقلية وفاعلية الإنسان.»
10
وكما أن اللحن ارتباط مقصود ذو دلالة من بدايته إلى نهايته، فإن لنظيره في الإنسان مثل هذا الارتباط؛ إذ يعكس الماضي، ويستبق المستقبل في حنينه العقلي إلى الكلية والاستمرار.
وبينما كانت النظريات المالية في القرن الثامن عشر تقلل من قيمة موسيقى الآلات، فإن القرن التاسع عشر قد جعل قيمة موسيقى الآلات الخالصة تسمو على قيمة الكلمة المنطوقة. وقد كتب إ. ت. أ. هوفمان
Halaman tidak diketahui