Fayd Khatir Bahagian Pertama
فيض الخاطر (الجزء الأول)
Genre-genre
وقرأت لأديب كبير لا أذكره الآن مقالا بديعا في زنبار أراد أن يخرج من شباك فاصطدم بزجاجه، وحاول مرارا أن يخرج فلم يستطع، فاستخرج الكاتب من ذلك قطعة فنية طريفة في الحرية والاسترقاق، وكيف يبحث الزنبار عن حريته فلا يجدها، ثم هو لا ينساها مهما صادفه من عقبات، وتحمل من آلام.
وكتب فيكتور هوجو قصة طريفة عن برغوث أنقذ أمة من الأمم سلط عليها حاكم ظالم لم تستطع حمله على العدل، ولا إبعاده عن الحكم.
وبعد هذا وذاك كتب مستشرق كبير معاصر كتابا جمع فيه ما قيل في الأدب العربي عن «البراغيث»، واقتراح عليه مستشرق آخر أن يسمي الكتاب «صيحة المستغيث من البراغيث»، إلى ما لا يعد ولا يحصى.
إذا فنظرتك في اختيار الموضوع وأنه يجب أن يكون «أكاديميا»، وأن يعنون عنوانا ضخما يستعمل في اختياره كل ضروب التكلف والتعمق والفلسفة، نظرة أرستقراطية بغيضة يجب أن تتخلص منها وتهزأ بما جرى عليه العرف فيها.
على هذا النحو ظلت الشخصيتان تتناظران، وظلت أصغي إليهما وأقيد أفكارهما، إلى أن طال الأخذ والرد، وأشفقت على القراء استرسالهما في الجدل، وحاولت أن أبتعد عن الصندوق، وأهرب من الموضوع فلم أستطع.
أيها الكتكوت ! فيك كل معاني الحياة ومشكلاتها ومظاهرها. فاسمك - أولا - كتكوت، ويجمع على كتاكيت، ولم أدر من اين أتي لك بهذا الاسم، فقد راجعت القاموس المحيط ولسان العرب، وغيرهما من كتب اللغة، فلم أجد فيها هذا اللفظ للدلالة عليك، ولا يستعمله إلا أهل مصر. أما أهل الشام والعراق فلا يعرفونه. اعتمدت اللغة العربية إهمالك لحقارتك؟ ذلك ما لا أظن، لأني أعلم أن اللغة ديمقراطية تغنى بالجليل والحقير على السواء، بل اللغة العربية مفرطة في الديمقراطية، فقد وضعت لأتفه الأشياء أسماء تعد بالمئات، واحتقرت أشياء عظيمة فلم تضع لها اسما للآن كالراديو والبيانو ومئات من المخترعات الحديثة؛ بل هم وضعوا لك اسما آخر هو «الفرح»، ولكن الفرخ غير مقصور عليك، شاركك فيه كل صغار الطيور حتى استعملوه أحيانا في صغار الشجر والنبات. وأخيرا علمت أنهم وضعوا لك اسم (الفروج) فلم يطلقوه على غيرك من صغار الحيوان، ولكنهم أشركوا معك فيه نوعا من الملابس وغيرها، ولعل العامة كانوا لك أشد إنصافا فوضعوا لك اسما خاصا، ومن أولى بالتخصص منك؟
وبعد، فلا أدري من أين أتى اسمك «الكتكوت»، فسأتركك لعلماء اللغة والاشتقاق ومقارنة اللغات، من سريانية وآرامية وفارسية وعبرية وهيروغليفية، لعلهم يجدون لك أصلا. وعلى كل حال فقد أثبت أن فيك مشكلة من مشكلة الحياة العظمى، وهي مشكلة اللغة، وستثبت أن لك مشكلة أخرى أعظم من هذا وأعقد. فهب أن علماء اللغة استنكروا هذه الكلمة، فأين سلطانهم على لفظك الذي تداولته العامة ونطقت به قرونا؟
فهل إذا صدر قرار بمحو هذه الكلمة؛ لأنها ليست عربية يسمع ويطاع؟ على أي وجه من الوجوه أنت مشكلة حتى في اسمك.
هذه هي الخادم قد رمت الحب للكتاكيت، فلا تسأل عما كان بينها من خصام ونزاع، ومباراة وسباق، وضرب وطعان.
وهل الإنسان إلا هذا؟ وهل تاريخ حياته إلا نزاع وصراع! وقد عبروا عن ذلك أصدق تعبير فقالوا: إن الحياة جهاد - أوليس أكبر باب في كتب التاريخ هو تاريخ الحروب والفتوح، وإعلان الحرب، ومعاهدات الصلح! وكل الفرق بينك أيها الكتكوت وبين الإنسان أنك استعملت في جهادك ونزاعك منقارك الوديع، وجسمك اللين الغض، وجاء الإنسان الراقي، فاستعمل في الحصول على غذائه الكذب والخديعة والرياء والنفاق، واستعمل في مدافعة خصومه كل طرق الكيد والدهاء، واستخدمت الجماعات في حربها كل أنواع المدمرات والمهلكات - وقد أعطى الإنسان عقلا أرقى من عقلك لينظم عيشه فأفسده، ولينظم السلم فنظم الحرب، وليعاون أخاه فعاداه.
Halaman tidak diketahui