Fayd Khatir Bahagian Pertama
فيض الخاطر (الجزء الأول)
Genre-genre
وأغرب ما فيه أنه متكبر يتجاوز قدره، ويعدو طوره، ومتواضع ينخفض جناحه، وتتضاءل نفسه. يتكبر حيث يصغر الكبراء، ويتصاغر حيث يكبر الصغراء. يتأله على العظماء حتى تظن أنه نسل الأكاسرة ووارث الجبابرة، ويجلس إلى الفقير المسكين يؤاكله ويستذل له؛ هو نسر أمام الأغنياء، وبغاث لدى الفقراء، لا تلين قناته لكبير، ويخزم أنفه الصغير.
يحب الناس جملة، ويكرههم جملة. يدعوه الحب أن يندمج فيهم، ويدعوه الكره أن يفر منهم، حار في أمره فامتزج الحب بالكره، فاستهان بهم في غير احتقار.
صحيح الجسم مريضه. ليس فيه موضع ضعف. ولكن كذلك ليس فيه موضع قوة. يشكو المرض، فيحار في شأنه الطبيب، فيحنق على الأطباء ويرميهم بالعجز وما العاجز إلا جسمه لم يستطع أن ينوء بنفسه.
كذلك كان رأسه: مضطرب، مرتبك، كأنه مخزن مهوش، أو دكان مبعثر، وضعت فيه النعل القديمة بجانب الحجر الكريم، يؤمن بقول الفقهاء: القديم على قدمه، ثم يدعو إلى التجديد. ويتلاقى فيه مذهب أهل السنة بمذهب أهل النشوء والارتقاء، ومذهب الاختيار بمذهب الجبر، وحب الغنى بمذهب «أبي ذر». وتجتمع في مكتبته كتب خطية قديمة قد أكلتها الأرضة، ونسج الزمان عليها خيوطه، وأحدث الكتب الأوربية فكرا وطبعا وتجليدا. ولكل من هذين ظل في عقله، وأثر في رأسه. يسره «تأبط شرا» في بدواته وصعلكته ، و«جوته» في حضارته وإمارته، ويؤمن بشاعرية هذا وذاك. يسمع إلى الملحدين فيصغي إليهم، وإلى المؤمنين فيحن شوقا لذكراهم. ويهمل في صلاته ويحافظ على صومه، إن ألحد فكره لم تطاوعه طبيعته، وإن كفر عقله آمن قلبه. ومن أصدقائه السكير الزاهد، والفاجر الداعر والعابد؛ وكلهم على اختلاف مذاهبهم يصفه بأنه يجيد الإصغاء كما يجيد البليغ الكلام. •••
سرت معه سيرة من جنسه، فأحببته وكرهته، ونقمت منه ورحمته، وكنت آنس به وأستوحش منه؛ يبعد عني فأتوق إليه، ويطول مقامي معه فأتبرم به.
وأخيرا، لم يقو جسمه على هذه الأضداد مؤتلفة، والمتناقضات مجتمعة. فعاجله الشيب في شبابه، وتقوس ظهره في ربيع عمره، وأصبح مترهل العضل، منسرق القوى، يظنه من رآه أنه بلغ أرذل العمر، ولداته في رونق الشباب وميعة النشاط.
بلغني مرضه، فلم أدركه إلا جنازة، فشيعته إلى أن أنزل حفرته، وأجن في رمسه ونفضت من ترابه الأيدي!
وعدت موجع القلب باكيا، ضيق الصدر، مكروب النفس، أخذني من الحزن عليه ما تنقض منه الجوانح، وتنشق له المرائر؛ فعلمت أن حبي له كان أعمق من كرهي إياه، وأن نقمتي عليه لم تكن إلا مظهرا من عطفي عليه، وأني كنت أقسو عليه رحمة به!
رحمة الله عليه فقد حطم بعضه بعضا، ومضى قتيل روحه وشهيد نفسه.
مشروع مقالة
Halaman tidak diketahui