Fayd Khatir Bahagian Pertama

Ahmad Amin d. 1373 AH
151

Fayd Khatir Bahagian Pertama

فيض الخاطر (الجزء الأول)

Genre-genre

وجاء بعده السيوطي فلم يخجل من أن يضع كتابه «حسن المحاضرة» فصلا عنوانه «السبب في كون أهل مصر أذلاء يحملون الضيم»، وقد جاء فيه «أن الشيخ تاج الدين كان يقول: إن الحكماء وأهل التجارب ذكروا أن من أقام ببغداد سنة وجد في علمه زيادة، ومن أقام بالموصل سنة وجد في عقله زيادة، ومن أقام بدمشق سنة وجد في طباعه غلظة، ومن أقام بمصر سنة وجد في أخلاقه رقة وحسنا»، والرقة والذل قريب بعضهما من بعض. وقال القاضي الفاضل: «أهل مصر على كثرة عددهم، وما ينسب من وفور المال إلى بلدهم، مساكين يعملون في البحر، ومجاهيد يدأبون في البر».

ويذكرون الذل على أنه حقيقة ثابتة ثم يختلفون في السبب في ذلك: فمن قائل: إن المصريين غاظوا يوما سعد بن أبي وقاص، فدعا عليهم أن يضربهم الله بالذل، وسعد عرف بإجابة الدعوة.

إن كان ذلك فالخطب هين، فمن الممكن أن يجتمع صالحو مصر وزهادها فيقرءوا الفواتح والدعوات وما تيسر من القرآن الكريم، ويهبوها لروح سعد ويطلبوا إليه أن يعدل من دعوته، ويطلب إلى الله تعالى أن يرميهم بالعزة بعد الذل. وما أظن سعدا يصر على دعوته، وقد عرف في حياته بالسماحة والسؤدد.

ومن قائل: إن فرعون لما غرق كان معه أشراف القوم وأعزتهم، فلما غرق غرقوا معهم، فلم يبق إلا الحثالة، فأتى من نسلهم الجبناء الأذلاء. وهل ينتج الذليل إلا الذليل؟ وهذا القول أيضا سهل رده، فالمصريون قد نزل بين أظهرهم كثير من سادة اليونان والرومان، وسادة العرب وسادة الأتراك، وذابوا في مصر واختلطوا بأهلها؛ فلم يغلب الذل العزة وعهدنا دائمة غلبة الأعزاء؟

أخطر الأسباب ما يلمح إليه الماكر «المقريزي» فهو يريد أن يبعث في النفوس اعتقادا بأن هذا سبب طبيعي يرجع إلى الإقليم وإلى الجو، وإلى طبيعة الأرض؛ هو يريد أن يقول: إن ذلك خلقة فيهم، بل هو في كل شيء حولهم فيقول: «إن هواء مصر يعمل في المعجونات وسائر الأدوية ضعفا قى قوتها، فأعمار الأدوية - المفردة والمركبة، المعجون منها وغير المعجون - بمصر أقصر منها في غير مصر»، وأشد من ذلك وأصرح قوله: «إن قوي النفس تابعة لمزاج البدن، وأبدانهم سخيفة سريعة التغير، قليلة الصبر والجلد، وكذلك أخلاقهم يغلب عليها الاستحالة والتنقل من شيء إلى شيء، والدعة والجبن ... ومن أجل توليد أرض مصر الجبن والشرور الدنيئة في النفس لم تسكنها الأسد، وإذا دخلت ذلت ولم تتناسل، وكلابها أقل جرأة من كلاب غيرها من البلدان، وكذلك سائر ما فيها أضعف من نظيره في البلدان الأخر، ما خلا ما كان منها في طبعه ملاءمة لهذه الحال كالحمار والأرنب».

قول قاس أيها المؤرخ! ولو صح ما قلت لكان حكما أبديا صارما؛ فإن لنا طاقة بتغيير كل شيء إلا الجو والإقليم فماذا نصنع فيهما؟ لو كان صحيحا قولك لاستوجب اليأس في الإصلاح، فما تفلح أمة ضرب عليها الذل والخضوع، بل لوجب الرحيل من بلد يسمم جوه دائما أخلاق أهله.

وقديما قال الشاعر: «وإذا نزلت بدار ذل فارحل»

أخشى أن تكون متأثرا بآراء شيخك ابن خلدون، وقد كان في طباعه حدة وعنف، وفي المصريين دعة، فنظر إليها بطبعه الحاد نظرة فيها إفراط وفيها مبالغة ولو كانت نظرتك صحيحة لما تعاقبت الذلة والعزة على الأمة الواحدة، فتعز بعد ذلة، أو تذل بعد عزة، والجو واحد والإقليم واحد. وإن في تاريخ مصر نفسها صفحات بيضاء تتجلى فيها العزة بأجلى مظاهرها. الحق - يا سيدي - أن الإقليم عامل، ولكن ليس كل عامل، فإذا كان الجو سما فالتربية والتعليم ترياق. ألا ترى إلى مثلك نفسه؟ فقد ذكرت أن الأدوية والمركبات والمعاجين يسرع إليها الفساد في مصر لسوء الجو - لو عشت إلى عصرنا لعلمت كيف تغلب العلم على الأقليم، وصار من المستطاع في يسر وسهولة أن يحفظ الدواء - بأبسط المعالجات - في مصر كما يحفظ في أوروبا، وأن التربية كذلك تفعل في النفس الأعاجيب، وكل ما نستطيع أن نستفيده منك أنك نبهتنا أنت وأمثالك من المؤرخين إلى أن في مصر جبنا وفي مصر ملقا، إلى هنا نقبله منك، لا لنستسلم له، ولا لنقر أنه طبيعي فينا، ولكن لنريك الأمثال على خطأ تعليلك ولننبهك إلى نظرية ثبتت حديثا، وهي: أن الأمم المبتدية الساذجة هي أكثر استسلاما للطبيعة وشئونها، والأمم المتحضرة تستطيع بعلمها وتربيتها وقوة عقلها أن تسخر الطبيعة لمصلحتها، لا أن تخضعها الطبيعة لأمرها. فنحن نستطيع أن نستفيد من وداعة الطبيعة فنكون وديعين إلى حد، فإذا أرادت أن تتجاوزه إلى نفاق وملق وجبن قالت التربية: «لا» بملء فيها، وحق للتربية إذا قالت: «لا» أن يكون «لا».

وعبت كلاب المصريين بالضعف، ويظهر أنك لم تر كلاب «أرمنت» وما هي عليه من بسطة في القوة والجسم، ولو قدر عليك أن ينبحك واحد ما سلمت بجلدك، ولغيرت حكمك.

لقد أحسست بأن تعميم نظريتك خطأ بين، فاستدركت وقلت: «ومن المصريين من خصه الله بالفضل وحسن الخلق وبرأه من الشرور» أليس هذا - يا سيدي - نقصا لقولك وتسليما لقولنا؟ فأنت تعلم أن «ما بالطبيعة لا يتخلف» ولو كان الذل ينفثه الإقليم وحده، لما رأيت شاذا من الشواذ. ألا ترى أن فعل الطبيعة في الأدوية - بإسراع الفساد إليها - مطرد، ومطرد دائما؟ فإذا اختلف الناس في الجبن والعزة والملق والصراحة، فهناك عامل آخر أقوى وهو عامل التربية نستطيع به أن نتغلب حتى على قوانين الطبيعة.

Halaman tidak diketahui