. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
الْمَحْذُوفُ مَصْدَرًا مُبْتَدَأً عَلَى مَا يَقُولُهُ الْبَصْرِيُّونَ وَعَلَّقَاهُ بِنَفْسِ الْمُبْتَدَأِ وَالْخَبَرِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ ابْتِدَائِي بِسْمِ اللَّهِ ثَابِتٌ أَوْ حَاصِلٌ وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ حَذْفُ الْمَصْدَرِ وَإِبْقَاءُ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ يُتَوَسَّعُ فِي الظَّرْفِ وَالْمَجْرُورِ بِحَذْفِ عَامِلِهِمَا، عَلَى أَنَّ اشْتِرَاطَ ذِكْرِ الْمَصْدَرِ فِي الْعَمَلِ إنَّمَا هُوَ فِي عَمَلِهِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْ الْفِعْلِ فَمَا هُنَا عَمَلُهُ بِسَبَبِ مَا فِيهِ مِنْ رَائِحَةِ الْفِعْلِ، لِهَذَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ، وَاشْتِرَاطُ الذِّكْرِ وَالتَّقْدِيمِ إنَّمَا هُوَ عِنْدَ عَمَلِهِ بِالْحَمْلِ عَلَى الْفِعْلِ، وَكَذَا لَوْ قُدِّرَ تَعَلُّقُهُ بِخَبَرٍ مَحْذُوفٍ، وَأَمَّا لَوْ جُعِلَ نَفْسُ الْخَبَرِ أَوْ هُوَ مَعَ كَائِنٍ لَجَازَ الْحُكْمُ عَلَى مَحَلِّهِ بِالرَّفْعِ وَبِالنَّصْبِ، أَمَّا الْحُكْمُ بِالرَّفْعِ فَلِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْخَبَرِ، وَأَمَّا بِالنَّصْبِ فَلِأَنَّهُ مَعْمُولٌ لِكَائِنِ الْمَحْذُوفِ، وَمَنْ لَهُ أَدْنَى مَعْرِفَةٍ بِالْعَرَبِيَّةِ يُدْرِكُ ذَلِكَ.
وَلَفْظُ الْجَلَالَةِ مَجْرُورٌ بِالْمُضَافِ الَّذِي هُوَ اسْمٌ عَلَى الصَّحِيحِ، وَالرَّحْمَنُ نَعْتُ اللَّهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ، وَالرَّحِيمُ كَذَلِكَ، وَأَمَّا عَلَى عِلْمِيَّةِ الرَّحْمَنِ فَيَكُونُ بَيَانًا أَوْ بَدَلًا، وَالرَّحِيمُ نَعْتٌ لَهُ لَا لِلَّهِ لِئَلَّا يَلْزَمَ تَقْدِيمُ الْبَدَلِ عَلَى النَّعْتِ وَهُوَ مُمْتَنِعٌ، وَيَجُوزُ أَيْضًا جَعْلُ الرَّحْمَنِ نَعْتًا لِلَّهِ مَعَ كَوْنِهِ عَلَمًا نَظَرًا لِمَعْنَاهُ كَمَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَتْنِ الْبَسْمَلَةِ: وَهَذَا الْإِعْرَابُ مُسْتَعْمَلٌ عَرَبِيَّةً وَقِرَاءَةً، وَيَجُوزُ قَطْعُ النَّعْتِ هُنَا لِلْعِلْمِ بِالْمَنْعُوتِ فَيُرْفَعُ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ أَوْ يُنْصَبَانِ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ:
وَارْفَعْ أَوْ انْصِبْ إنْ قَطَعْت مُضْمَرًا ... مُبْتَدَأً أَوْ نَاصِبًا لَنْ يَظْهَرَا
وَالْأَوْجُهُ تِسْعَةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ ضَرْبِ ثَلَاثَةٍ، وَهِيَ: رَفْعُ الرَّحْمَنِ أَوْ نَصْبُهُ أَوْ جَرُّهُ فِي الثَّلَاثَةِ فِي الرَّحِيمِ الْمُجْمَعِ عَلَى جَوَازِهِ مِنْهَا جَرُّ الْجَمِيعِ، وَأَمَّا رَفْعُهُمَا أَوْ نَصْبُهُمَا أَوْ نَصْبُ الرَّحِيمِ أَوْ رَفْعُهُ مَعَ جَرِّ الرَّحْمَنِ فَيَجُوزُ عَرَبِيَّةً لَا قِرَاءَةً بِخِلَافِ جَرِّهِ مَعَ نَصْبِ الرَّحْمَنِ أَوْ رَفْعِهِ فَيَمْتَنِعُ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ الِاتِّبَاعِ بَعْدَ الْقَطْعِ عَلَى طَرِيقَةِ ابْنِ أَبِي الرَّبِيعِ، وَأَمَّا عَلَى مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَسِيطِ مِنْ أَنَّ الصَّحِيحَ الْجَوَازُ فَلَا مَنْعَ، وَمَا فِي نَظْمِ شَيْخِ مَشَايِخِنَا الْأُجْهُورِيِّ حَيْثُ قَالَ:
إنْ يُنْصَبْ الرَّحْمَنُ أَوْ يَرْتَفِعَا ... فَالْجَرُّ فِي الرَّحِيمِ قَطْعًا مُنِعَا
وَإِنْ يَجُرُّ فَأَجِزْ فِي الثَّانِي ... ثَلَاثَةَ الْأَوْجُهِ خُذْ بَيَانِي
فَعَلَى إحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ لِشُهْرَتِهَا، وَإِلَّا فَالشَّيْخُ وَاسِعُ الِاطِّلَاعِ وَأَكْثَرُ إحَاطَةً بِمَا طَرَقَ الْأَسْمَاعَ.
١ -
تَتِمَّةٌ: فِي الْكَلَامِ عَلَى الْبَسْمَلَةِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى فَائِدَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ قَوْلِ الْعُلَمَاءِ، ابْتَدَأَ الْمُصَنِّفُ كِتَابَهُ بِالْبَسْمَلَةِ اقْتِدَاءً بِالْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَإِنَّهُ مُفْتَتَحٌ بِهَا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ قِرَاءَةً وَكِتَابَةً، وَكَذَا فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ خَلَا سُورَةَ بَرَاءَةٍ، وَبَيَّنَ قَوْلَ مَالِكٍ إنَّهَا لَيْسَتْ آيَةً مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهَا فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ، وَلَا يُقَالُ: لَوْ كَانَتْ قُرْآنًا لَكَفَرَ جَاحِدُهَا، لِأَنَّهُ يُقَالُ عَلَيْهِ: لَوْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ لَكَفَرَ مُثْبِتُهَا.
وَفِي التَّتَّائِيِّ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْ الْمَالِكِيِّ بِأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ الْكِتَابَ الْعَزِيزَ ابْتَدَأَ بِهَا فِي الْكِتَابَةِ أَيْ وَهَذَا لَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنُهَا قُرْآنًا، وَقَوْلُنَا فِي تِلْكَ الْأَمَاكِنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهَا فِي آيَةِ النَّمْلِ فَإِنَّهَا آيَةٌ قَطْعًا ثَانِيَتُهُمَا: رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الزَّبَانِيَةِ التِّسْعَةَ عَشَرَ فَلْيَقْرَأْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَيَجْعَلُ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ جَنَّةً مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ.
وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا كَتَبَ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: إنَّ بِي صُدَاعًا لَا يَسْكُنُ فَابْعَثْ لِي دَوَاءً فَبَعَثَ إلَيَّ قَلَنْسُوَةً، فَكَانَ إذَا وَضَعَهَا عَلَى رَأْسِهِ سَكَنَ صُدَاعُهُ وَإِذَا رَفَعَهَا عَادَ الصُّدَاعُ إلَيْهِ، فَفَتَحَهَا فَإِذَا فِيهَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَإِنَّمَا أَطَلْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهَا لَمَسِّ الْحَاجَةِ إلَى مَا ذَكَرْنَا
وَلِمَا اسْتَحَبَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْبُدَاءَةَ بِالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ وَبِالْحَمْدَلَةِ لِكُلِّ مُصَنِّفٍ وَمُدَرِّسٍ وَقَارِئٍ بَيْنَ يَدَيْ شَيْخِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبْدُوءُ أَوْ الْمَقْرُوءُ فِقْهًا أَوْ حَدِيثًا أَوْ غَيْرَهُمَا ذَكَرَهُمَا عَقِبَ الْبَسْمَلَةِ عَلَى مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَقَالَ: (وَصَلَّى اللَّهُ) بِلَفْظِ الْخَبَرِ وَالْمُرَادُ الطَّلَبُ أَيْ أَنْزِلْ يَا اللَّهُ الرَّحْمَةَ الْمَقْرُونَةَ بِالتَّعْظِيمِ أَوْ مُطْلَقَهَا، لِأَنَّ الصَّلَاةَ مِنْ اللَّهِ الرَّحْمَةُ وَمِنْ الْمَلَائِكَةِ الِاسْتِغْفَارُ وَمِنْ غَيْرِهِمْ التَّضَرُّعُ وَالدُّعَاءُ بِخَيْرٍ (عَلَى سَيِّدِنَا) أَيْ فَائِقُنَا وَعَظِيمُنَا فِي سَائِرِ خِصَالِ الْخَيْرِ مِنْ سَادَ قَوْمَهُ يَسُودُهُمْ سِيَادَةً وَهُوَ سَيِّدٌ وَأَصْلُهُ سَيْوِدٌ عَلَى وَزْنِ فَيْعِلْ اجْتَمَعَتْ الْوَاوُ وَالْيَاءُ وَسَبَقَتْ إحْدَاهُمَا بِالسُّكُونِ قُلِبَتْ الْوَاوُ يَاءً وَأُدْغِمَتْ الْيَاءُ فِي الْيَاءِ، وَيُطْلَقُ السَّيِّدُ عَلَى الْحَلِيمِ الَّذِي لَا يَسْتَفِزُّهُ الْغَضَبُ، وَعَلَى الْكَرِيمِ وَعَلَى الْمَالِكِ وَعَلَى الشَّخْصِ الْكَامِلِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَعَبَّرَ بِسَيِّدِنَا إشَارَةً إلَى جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ فِيهِ ﷺ فِي الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا.
قَالَ فِي التَّحْقِيقِ: وَاسْتِعْمَالُهُ فِي غَيْرِ اللَّهِ كَثِيرٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَسَيِّدًا وَحَصُورًا﴾ [آل عمران: ٣٩] .
﴿وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا﴾ [يوسف: ٢٥] وَاخْتُلِفَ
1 / 7