. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[الفواكه الدواني]
لِتِلْكَ الْأَجْوِبَةِ مَبْنِيٌّ عَلَى حَمْلِ الْبَاءِ فِي بِسْمِ اللَّهِ وَفِي بِالْحَمْدِ لِلَّهِ صِلَةً لِيُبْدَأَ.
وَأَمَّا إنْ جُعِلَتْ لِلِاسْتِعَانَةِ أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ التَّبَرُّكِيَّةِ أَوْ لِلْمُلَابَسَةِ فَلَا تَعَارُضَ، لِأَنَّ الِاسْتِعَانَةَ بِشَيْءٍ لَا تُنَافِي الِاسْتِعَانَةَ بِغَيْرِهِ، وَمَعْنَى الْبَالِ الْحَالُ وَالشَّأْنُ، وَمَعْنَى أَقْطَعُ وَأَجْذَمُ وَأَبْتَرُ نَاقِصٌ قَلِيلُ الْبَرَكَةِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ التَّشْبِيهِ الْبَلِيغِ، وَهُوَ مَا حُذِفَتْ مِنْهُ أَدَاةُ التَّشْبِيهِ نَحْوُ زَيْدٌ حِمَارٌ أَوْ أَسَدٌ أَيْ كَأَجْذَمَ أَوْ كَأَبْتَرَ فِي النَّقْصِ، لِأَنَّ الشَّخْصَ الْأَجْذَمَ نَاقِصٌ بِالنِّسْبَةِ لِلسَّلِيمِ، وَالشَّاةُ ذَاتُ الذَّنَبِ كَامِلَةٌ بِالنِّسْبَةِ لِمَقْطُوعَتِهِ، فَهُوَ مِنْ بَابِ تَشْبِيهِ النَّقْصِ الْمَعْنَوِيِّ بِالْحِسِّيِّ، لِأَنَّ الْحِسِّيَّ قَرِيبٌ لِلنَّفْسِ تُدْرِكُهُ سَرِيعًا فَشَبَّهَ ﷺ بِهِ لِذَلِكَ، وَقَيَّدَ الْأَمْرَ بِذِي الْبَالِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْأُمُورِ غَيْرِ ذَاتِ الْبَالِ وَهِيَ سَفَاسِفُ الْأُمُورِ وَمُحَقِّرَاتِهَا، فَلَا تُطْلَبُ فِيهَا بَسْمَلَةٌ لِعَدَمِ الِاهْتِمَامِ بِهَا أَوْ يُهْتَمُّ بِهَا لَا شَرْعًا، فَلَا يَجُوزُ فِيهَا تَسْمِيَةٌ بَلْ تَحْرُمُ فِي الْمُحَرَّمِ وَتُكْرَهُ فِي الْمَكْرُوهِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْبَسْمَلَةُ وَالْحَمْدَلَةُ مِنْ الْأُمُورِ ذَوَاتِ الْبَالِ فَتَحْتَاجُ إلَى الْبَسْمَلَةِ وَيَتَسَلْسَلُ الْأَمْرُ.
أُجِيبَ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْمُرَادَ الْأَمْرُ الَّذِي يُقْصَدُ فِي ذَاتِهِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ وَسِيلَةً لِغَيْرِهِ.
ثَانِيهِمَا: وَهُوَ الْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ كُلٌّ مِنْ الْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ، كَمَا يُحَصِّلُ الْبَرَكَةَ لِغَيْرِهِ وَيَمْنَعُ نَقْصَهُ كَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يُحَصِّلَ الْبَرَكَةَ لِنَفْسِهِ كَالشَّاةِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ تُزْكِي نَفْسَهَا وَغَيْرَهَا، وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْجَوَابُ أَحْسَنَ؛ لِأَنَّ الْوَسِيلَةَ قَدْ تُطْلَبُ فِيهَا الْبَسْمَلَةُ كَالْوُضُوءِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَثِيرٌ مِنْ الْأُمُورِ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدَلَةِ وَلَا يَتِمُّ وَكَثِيرٌ بِالْعَكْسِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَامِ فِي الْحَدِيثِ كَوْنُهُ مُعْتَبَرًا شَرْعًا بِاشْتِمَالِهِ عَلَى مَا يُسْتَحَبُّ فِيهِ وَيُحَصِّلُ الْبَرَكَةَ، وَيُعْدِمُ تَمَامُهُ عَدَمَ اعْتِبَارِهِ فِي الشَّرْعِ، فَالْمُرَادُ بِتَمَامِهِ تَمَامُهُ فِي الْمَعْنَى، وَبِعَدَمِ تَمَامِهِ نَقْصِهِ فِي الْمَعْنَى وَإِنْ كَمُلَ فِي الْحِسِّ.
فَإِنْ قِيلَ: يُشْكِلُ عَلَى الْحَدِيثِ ﴿إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾ [النمل: ٣٠] فَإِنَّهُ لَمْ يُصَدِّرْ اسْمَ اللَّهِ لِأَنَّ صُورَةَ الْكِتَابِ الَّذِي أَرْسَلَهُ سُلَيْمَانُ ﵇ لِبِلْقِيسَ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دَاوُد إلَى بِلْقِيسَ مَلِكَةِ سَبَأٍ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ السَّلَامُ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴿أَلا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ [النمل: ٣١] ثُمَّ طَبَّقَهُ بِالْمِسْكِ وَخَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ ثُمَّ قَالَ لِلْهُدْهُدِ: اذْهَبْ بِكِتَابِي، هَذَا فَأَلْقِهِ إلَيْهِمْ أَيْ إلَى بِلْقِيسَ وَقَوْمِهَا مَعَ أَنَّ الْكِتَابَ مِنْ ذَوَاتِ الْبَالِ.
فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحْسَنِهَا وَعَلَيْهِ نَقْتَصِرُ أَنَّ بِلْقِيسَ لَمَّا كَانَتْ كَافِرَةً خَافَ سُلَيْمَانُ أَنْ تُهِينَ اسْمَ اللَّهِ إذَا رَأَتْهُ مُصَدَّرًا بِهِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فَصَدَّرَ سُلَيْمَانُ اسْمَهُ لِيَكُونَ وِقَايَةً لِاسْمِهِ تَعَالَى.
فَإِنْ قِيلَ: مُقْتَضَى الْحَدِيثِ أَنْ يُقَالَ بِاَللَّهِ بَدَلَ بِسْمِ اللَّهِ حَتَّى يَصْدُقَ عَلَيْهِ لَفْظُ الِابْتِدَاءِ بِاسْمِ اللَّهِ فَلِمَاذَا قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ عَمَلًا بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ؟ فَالْجَوَابُ مَا قَالَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ: أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ وَرَدَ عَلَى اسْمٍ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ وَارِدٌ عَلَى مَدْلُولِهِ إلَّا لِقَرِينَةٍ كَضَرَبَ فِعْلُ مَاضٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا قِيلَ: ذَكَرْت اسْمَ زَيْدٍ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ اسْمٍ بَلْ أَنَّهُ ذَكَرَ لَفْظَ زَيْدٍ لِأَنَّهُ مَدْلُولُ اسْمِ زَيْدٍ، إذْ مَدْلُولُ اللَّفْظِ الدَّالُ عَلَيْهِ وَهُوَ لَفْظُ زَيْدٍ، فَكَذَا قَوْلُهُ: بِسْمِ اللَّهِ أَبْتَدِئُ مَعْنَاهُ أَبْتَدِئُ بِمَدْلُولِ اسْمِ اللَّهِ وَهُوَ لَفْظُ اللَّهِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بِاَللَّهِ أَبْتَدِئُ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ بِاَللَّهِ لِأَنَّ التَّبَرُّكَ وَالِاسْتِعَانَةَ بِذِكْرِ اسْمِهِ أَوْ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْيَمِينِ أَيْ الْحَلِفِ وَالتَّيَمُّنِ أَيْ التَّبَرُّكِ، وَلِأَنَّ الْمُسَمَّى إذَا كَانَ فِي غَايَةِ الْعَظَمَةِ لَا يُذْكَرُ بَلْ اسْمُهُ وَحَضْرَتُهُ وَجَنَابُهُ، كَمَا يُقَالُ: سَلَامٌ عَلَى الْمَجْلِسِ الْعَالِي وَعَلَى الْحَضْرَةِ الْعَالِيَةِ، وَقَوْلُنَا ضَرَبَ فِعْلٌ مَاضٍ فَإِنَّ الْحُكْمَ بِالْفِعْلِيَّةِ فِيهِ إنَّمَا هُوَ وَارِدٌ عَلَى ضَرْبِ نَفْسِهِ لَا عَلَى مَدْلُولِهِ مِنْ الْحَدَثِ وَالزَّمَنِ بِقَرِينَةِ امْتِنَاعِ وُرُودِهِ عَلَيْهِ، إذْ الْفِعْلِيَّةُ الْمَحْكُومُ بِهَا إنَّمَا يَتَّصِفُ بِهَا اللَّفْظُ لَا الْحَدَثُ وَالزَّمَانُ.
وَالِاسْمُ لُغَةً مَا دَلَّ عَلَى مُسَمًّى، وَعُرْفًا مَا دَلَّ مُفْرَدًا عَلَى مَعْنًى بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ بِبَيِّنَتِهِ لِلزَّمَانِ، وَهُوَ مُشْتَقٌّ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ السُّمُوِّ وَهُوَ الْعُلُوُّ لِأَنَّهُ يُعْلِي مُسَمَّاهُ وَيُظْهِرُهُ، وَعِنْدَ الْكُوفِيِّينَ مُشْتَقٌّ مِنْ السِّمَةِ وَهِيَ الْعَلَامَةُ فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الثُّلَاثِيَّةِ الْمَحْذُوفَةِ مِنْهَا، وَأَوْ هِيَ لَامُهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ لِأَنَّ أَصْلَهُ عِنْدَهُمْ سَمَوَ، وَفَاؤُهُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ لِأَنَّ أَصْلَهُ عِنْدَهُمْ وَسْمٌ، فَوَزْنُ اسْمٍ إمَّا افْعَ أَوْ اعْلَ، وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ فِي الِاشْتِقَاقِ تَظْهَرُ فِي صِفَاتِ الْبَارِئِ ﷾، فَعَلَى كَلَامِ الْبَصْرِيِّينَ تَكُونُ صِفَاتُهُ تَعَالَى قَدِيمَةً، وَعَلَى كَلَامِ الْكُوفِيِّينَ تَكُونُ حَادِثَةً.
وَلَا يُقَالُ: يَلْزَمُ عَلَى هَذَا كَوْنُ الْكُوفِيِّينَ مُعْتَزِلَةً.
لِأَنَّا نَقُولُ: لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ عَلَى الصَّوَابِ عَلَى أَنَّ هَذَا مُقْتَضَى اللَّفْظِ.
وَجَرَى خِلَافٌ فِي كَوْنِ الِاسْمِ عَيْنَ الْمُسَمَّى أَوْ غَيْرَهُ أَوْ وَلَا، وَالْحَقُّ التَّفْصِيلُ وَهُوَ أَنَّهُ إنْ أُرِيدَ اللَّفْظُ فَغَيْرُ الْمُسَمَّى لِأَنَّهُ يَتَأَلَّفُ مِنْ أَصْوَاتٍ وَحُرُوفٍ وَالْمُسَمَّى لَا يَكُونُ كَذَلِكَ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ
1 / 4