الرِّثَاءُ
٤٤ - حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَهْوَازِيُّ، ثنا رَوْحُ بْنُ سَلَمَةَ الْوَرَّاقُ، قَالَ: قَالَ الْقَاسِمُ بْنُ عَمْرٍو الْعَنْقَزِيُّ: " تُوُفِّيَ ابْنٌ لِأَعْرَابِيَّةٍ، فَكَانَتْ تَخْرُجُ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْجَبَّانِ، وَتَضَعُ يَدَهَا عَلَى قَبْرِهِ، ثُمَّ تُعَدِّدُ عَلَيْهِ، وَتَقُولُ: «
[البحر الطويل]
لَئِنْ كُنْتَ لَهْوًا لِلْعُيُونِ وَقُرَّةً ... لَقَدْ صِرْتَ سُقْمًا لِلْقُلُوبِ الصَّحَائِحِ
وَهَوَّنَ وَجْدِي أَنَّ يَوْمَكَ مُدْرِكِي ... وَأَنِّي غَدًا مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الضَّرَائِحِ»
٤٥ - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ، سَمِعْتُ الْأَصْمَعِيَّ، يَقُولُ: " مَرَرْتُ بِجَارِيَةٍ هَيْفَاءَ، بَضَّةٍ، عَطُولٍ عَضِلَةٍ، كَأَنَّهَا ذَهَبٌ فِي فِضَّةٍ، عَلَيْهَا خَلِيلٌ لَهَا، وَحُلِّيٌّ كَثِيرٌ، وَهِيَ عِنْدَ قَبْرٍ تَبْكِي، وَهِيَ تَقُولُ:
[البحر البسيط]
يَا صَاحِبَ الْقَبْرِ قَدْ أَوْرَيْتَنِي سَقَمًا ... فَدَمْعُ عَيْنِي طُوَالَ الدَّهْرِ مُنْسَكِبُ
قَدْ طَالَ حُزْنِي فَمَا أَرْجُوكَ ثَانِيَةً ... قَيَّدَكَ اللَّهْوُ بِالْأَجْرَانِ وَاللَّعِبُ
قَالَ: ثُمَّ سَقَطَتْ عَلَى الْقَبْرِ مَغْشِيَّةً عَلَيْهَا، ثُمَّ أَفَاقَتْ بَعْدَ هُنَيْهَةٍ، فَجَعَلَتْ تُعَزِّي نَفْسَهَا، فَتَقُولُ: ⦗٤٤⦘
يَا نَفْسُ كَيْفَ رَبَا مَنْ قَدْ يُعَاوِرُهُ ... بَرْدُ الشِّتَاءِ وَحَرُ الصَّيْفِ يَلْتَهِبُ
أَمْ كَيْفَ يَرْجِعُ مَنْ قَدْ صَارَ جَانِبُهُ ... وَوِدٌّ وَبَيْنٌ وَحُسْنُ الْوَجْهِ قَدْ تَرِبَ"