Fath Qadir
فتح القدير
Penerbit
دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤١٤ هـ
Lokasi Penerbit
بيروت
وَمَشَى أَرْبَعًا، حَتَّى إِذَا فَرَغَ عَمَدَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى خَلْفَهُ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قَرَأَ: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى» وَفِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ ﵇ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ مُسْتَوْفَاةٌ فِي الْأُمَّهَاتِ وَغَيْرِهَا، وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى: أَنَّ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَقُومُ عَلَيْهِ لِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ لَمَّا ارْتَفَعَ الْجِدَارُ، أَتَاهُ إِسْمَاعِيلُ بِهِ لِيَقُومَ فَوْقَهُ، كَمَا فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ مُلْصَقًا بِجِدَارِ الْكَعْبَةِ.
وَأَوَّلُ مَنْ نَقَلَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، كَمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، وَالْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، مِنْ طُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ فِي وَصْفِ حَجِّ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لَمَّا طَافَ النَّبِيُّ ﷺ قَالَ لَهُ عُمَرُ: هَذَا مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ؟ قَالَ: نَعَمْ» . وأخرج نحوه ابن مردويه.
[سورة البقرة (٢): الآيات ١٢٥ الى ١٢٨]
وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥) وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨)
قَوْلُهُ: عَهِدْنا مَعْنَاهُ هُنَا: أَمَرْنَا أو أوجبنا. وَقَوْلُهُ: أَنْ طَهِّرا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِنَزْعِ الْخَافِضِ، أَيْ: بِأَنْ طَهِّرَا، قَالَهُ الْكُوفِيُّونَ وَقَالَ سِيبَوَيْهِ: هُوَ بِتَقْدِيرِ أَيْ الْمُفَسِّرَةِ، أَيْ: أَنْ طَهِّرَا، فَلَا مَوْضِعَ لَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّطْهِيرِ: قِيلَ: مِنَ الْأَوْثَانِ وَقِيلَ: مِنَ الْآفَاتِ وَالرِّيَبِ وَقِيلَ: مِنَ الْكُفَّارِ وَقِيلَ:
مِنَ النَّجَاسَاتِ، وَطَوَافِ الْجُنُبِ، وَالْحَائِضِ، وَكُلِّ خَبِيثٍ. وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُخْتَصُّ بِنَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ مُسَمَّى التَّطْهِيرِ فَهُوَ يَتَنَاوَلُهُ إِمَّا تَنَاوُلًا شُمُولِيًّا أَوْ بَدَلِيًّا، وَالْإِضَافَةُ فِي قَوْلِهِ: بَيْتِيَ لِلتَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ، وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ، وَهِشَامٌ، وَحَفْصٌ: بَيْتِيَ بِفَتْحِ الْيَاءِ، وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِإِسْكَانِهَا. وَالطَّائِفُ: الَّذِي يَطُوفُ بِهِ وَقِيلَ: الْغَرِيبُ الطَّارِئُ عَلَى مَكَّةَ. وَالْعَاكِفُ:
الْمُقِيمُ، وَأَصِلُ الْعُكُوفِ فِي اللُّغَةِ: اللُّزُومُ وَالْإِقْبَالُ عَلَى الشَّيْءِ وَقِيلَ: هُوَ الْمُجَاوِرُ دُونَ الْمُقِيمِ مِنْ أَهْلِهَا. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: الرُّكَّعِ السُّجُودِ الْمُصَلُّونَ، وَخَصَّ هَذَيْنِ الرُّكْنَيْنِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَشْرَفُ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ. وَقَوْلُهُ: وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ سَتَأْتِي الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ هُوَ الَّذِي حَرَّمَ مَكَّةَ، وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّ الله حرّمها يوم خلق السموات وَالْأَرْضِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي هَذَا الْبَحْثِ. وَقَوْلُهُ: بَلَدًا آمِنًا أَيْ: مَكَّةَ وَالْمُرَادُ: الدُّعَاءُ لِأَهْلِهِ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ وَغَيْرِهِمْ كَقَوْلِهِ: عِيشَةٍ راضِيَةٍ «١» أَيْ: رَاضٍ صَاحِبُهَا.
وَقَوْلُهُ: مَنْ آمَنَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِ أَهْلَهُ، أَيِ: ارْزُقْ مَنْ آمَنَ مِنْ أَهْلِهِ دُونَ مَنْ كَفَرَ. وَقَوْلُهُ: وَمَنْ كَفَرَ الظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِنْ كَلَامِ الله سبحانه ردّ عَلَى إِبْرَاهِيمَ حَيْثُ طَلَبَ الرِّزْقَ لِلْمُؤْمِنِينَ دُونَ غَيْرِهِمْ، أَيْ:
وَأَرْزُقُ مَنْ كَفَرَ، فَأُمَتِّعُهُ بِالرِّزْقِ قَلِيلًا، ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ كَلَامًا مُسْتَقِلًّا بَيَانًا لِحَالِ مَنْ كَفَرَ، وَيَكُونَ فِي حُكْمِ الْإِخْبَارِ عَنْ حَالِ الْكَافِرِينَ بِهَذِهِ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ أَيْ: مَنْ كَفَرَ فإني أمتعه
(١) . الحاقة: ٢١.
1 / 164