108

Fath Qadir

فتح القدير

Penerbit

دار ابن كثير،دار الكلم الطيب - دمشق

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤١٤ هـ

Lokasi Penerbit

بيروت

[سورة البقرة (٢): الآيات ٦٣ الى ٦٦] وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤) وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالًا لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦) قَوْلُهُ: وَإِذْ أَخَذْنا هُوَ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ بِعَامِلٍ مُقَدَّرٍ هُوَ اذْكُرُوا، كَمَا تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْمِيثَاقِ، وَالْمُرَادُ أَنَّهُ أَخَذَ سُبْحَانَهُ عَلَيْهِمُ الْمِيثَاقَ، بِأَنْ يَعْمَلُوا بِمَا شَرَعَهُ لَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَبِمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَخَصُّ. وَالطُّورُ اسْمُ الْجَبَلِ الَّذِي كَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ مُوسَى ﵇ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ التَّوْرَاةَ فِيهِ وَقِيلَ: هُوَ اسْمٌ لِكُلِّ جَبَلٍ بِالسُّرْيَانِيَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: أَنَّ مُوسَى لَمَّا جَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِالْأَلْوَاحِ قَالَ لَهُمْ: خُذُوهَا وَالْتَزِمُوهَا، فَقَالُوا: لَا إِلَّا أَنْ يُكَلِّمَنَا اللَّهُ بِهَا كَمَا كَلَّمَكَ، فَصُعِقُوا ثُمَّ أُحْيُوا، فَقَالَ لَهُمْ: خُذُوهَا وَالْتَزِمُوهَا، فَقَالُوا: لَا، فَأَمَرَ اللَّهُ الْمَلَائِكَةَ فَاقْتَلَعَتْ جَبَلًا مِنْ جِبَالِ فِلَسْطِينَ طُولُهُ فَرْسَخٌ فِي مِثْلِهِ. وَكَذَلِكَ كَانَ عَسْكَرُهُمْ، فَجُعِلَ عَلَيْهِمْ مِثْلَ الظُّلَّةِ، وَأُتُوا بِبَحْرٍ مِنْ خَلْفِهِمْ، وَنَارٍ مِنْ قِبَلِ وُجُوهِهِمْ، وَقِيلَ: لَهُمْ خُذُوهَا وَعَلَيْكُمُ الْمِيثَاقُ أَنْ لَا تُضَيِّعُوهَا، وَإِلَّا سَقَطَ عَلَيْكُمُ الْجَبَلُ، فَسَجَدُوا تَوْبَةً لِلَّهِ وَأَخَذُوا التَّوْرَاةَ بِالْمِيثَاقِ. قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ: لَوْ أَخَذُوهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالَّذِي لَا يَصِحُّ سِوَاهُ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ اخْتَرَعَ وَقْتَ سُجُودِهِمُ الْإِيمَانَ «١»، لَا أَنَّهُمْ آمَنُوا كُرْهًا وَقُلُوبُهُمْ غَيْرُ مطمئنة. انتهى. وهذا تكلف ساقط حمله عليه الْمُحَافَظَةُ عَلَى مَا قَدِ ارْتَسَمَ لَدَيْهِ مِنْ قَوَاعِدَ مَذْهَبِيَّةٍ قَدْ سَكَنَ قَلْبُهُ إِلَيْهَا كَغَيْرِهِ، وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا سَبَبَ مِنْ أَسْبَابِ الْإِكْرَاهِ أَقْوَى مِنْ هَذَا أَوْ أَشَدُّ مِنْهُ. وَنَحْنُ نَقُولُ: أَكْرَهَهُمُ اللَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ فَآمَنُوا مُكْرَهِينَ، وَرَفَعَ عَنْهُمُ الْعَذَابَ بِهَذَا الْإِيمَانِ. وَهُوَ نَظِيرُ مَا ثَبَتَ فِي شَرْعِنَا مِنْ رَفْعِ السَّيْفِ عَنْ مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ وَالسَّيْفُ مُصَلَّتٌ قَدْ هَزَّهُ حَامِلُهُ عَلَى رَأْسِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لِمَنْ قَتَلَ مَنْ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةِ الْإِسْلَامِ مُعْتَذِرًا عَنْ قَتْلِهِ بِأَنَّهُ قَالَهَا تَقِيَّةً وَلَمْ تَكُنْ عَنْ قَصْدٍ صَحِيحٍ: «أَأَنْتَ فَتَّشْتَ عَنْ قَلْبِهِ؟» . وَقَالَ: «لَمْ أُومَرْ أَنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ» وَقَوْلُهُ: خُذُوا أَيْ وَقُلْنَا لَكُمْ: خُذُوا مَا آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَالْقُوَّةُ: الْجِدُّ والاجتهاد. والمراد: ب (ذكر ما فيه): من أَنْ يَكُونَ مَحْفُوظًا عِنْدَهُمْ لِيَعْمَلُوا بِهِ. قَوْلُهُ: ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ أَصْلُ التَّوَلِّي الْإِدْبَارُ عَنِ الشَّيْءِ وَالْإِعْرَاضُ بِالْجِسْمِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي الْإِعْرَاضِ عَنِ الْأُمُورِ وَالْأَدْيَانِ وَالْمُعْتَقَدَاتِ اتِّسَاعًا وَمَجَازًا، وَالْمُرَادُ هُنَا: إِعْرَاضُهُمْ عَنِ الْمِيثَاقِ الْمَأْخُوذِ عَلَيْهِمْ، وَقَوْلُهُ: مِنْ بَعْدِ ذلِكَ أَيْ مِنْ بَعْدِ الْبُرْهَانِ لَهُمْ، وَالتَّرْهِيبِ بِأَشَدِّ مَا يَكُونُ وَأَعْظَمُ مَا تُجَوِّزُهُ الْعُقُولُ وَتُقَدِّرُهُ الْأَفْهَامُ، وَهُوَ رَفْعُ الْجَبَلِ فَوْقَ رؤوسهم كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ عَلَيْهِمْ. وَقَوْلُهُ: فَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ بِأَنْ تَدَارَكَكُمْ بِلُطْفِهِ وَرَحْمَتِهِ حَتَّى أَظْهَرْتُمُ التَّوْبَةَ لَخَسِرْتُمْ. وَالْفَضْلُ: الزِّيَادَةُ. قَالَ ابْنُ فَارِسٍ في المجمل: الفضل: الزيادة والخير، والإفضال:

(١) . في تفسير ابن عطية زيادة هنا هي: (في قلوبهم) .

1 / 112