Fath Arab untuk Mesir
فتح العرب لمصر
Genre-genre
36
وكان تخرج على أيدي النساجين بدائع من الحرير والكتان تحليها زركشة تأخذ بالألباب، وقد كشفت حديثا بقايا كثيرة من منسوجات ذلك العصر أو ما هو قريب منه، وجدت في أخميم بالصعيد، واسمها القديم «بانوبولس»، وهي محفوظة اليوم في مجموعة «سوث كنزنجتون» بإنجلترا وفي مجموعات أخرى، وكل هذه المنسوجات من الكتان، وهي أبسطة منسوجة. وأما أنماطها ورسومها فمختلفة؛ فبعضها يشبه في رسمه المنسوجات القديمة، وبعضها عليه أثر واضح من المسيحية، وقسم منها عليه أثر ظاهر من أنماط الفرس؛ فإن مدة إقامة الفرس بمصر، وهي تلك السنون العشر أو الاثنتا عشرة، لا بد قد أثرت فيها الرسوم الفارسية في الصناع، فجعلتهم يخرجون منسوجاتهم على مثالها. والشبه عظيم بين مجموعة من ورقة البردي في فينا تنسب إلى «تيودور جراف» وبين مجموعة هذه المنسوجات؛ فمجموعة الأوراق التي تختلف تواريخها بين سنة 487 وسنة 909 للميلاد فيها لغات شتى؛ فاليونانية والقبطية والفارسية والساسانية والعبرية والعربية، ومجموعة المنسوجات التي ترجع إلى نحو هذه العصور تنطبع فيها صور ما مر على مصر من صروف الدهر المختلفة وغير الحادثات السياسية كما تنطبع صورة في مرآة.
37
ومن أهم الأمور أن نتذكر أن مادة صنوف المنسوجات ورسومها وألوانها تكاد تكون واحدة، سواء في ذلك ما وجد في صقارة أو الفيوم أو الصعيد. وهذه حقيقة تدلنا على اشتراك النساجين في الأنماط وتشابههم في الأذواق أكثر مما تدلنا على شدة محافظتهم على القديم وتمسكهم به؛ فكان ما جد من طرق الصناعة ورسومها يتنقل سريعا في نهر النيل، وهو المحجة العظمى، ذاهبا إلى طائفة بعد طائفة من الصناع في البلاد المنتشرة في ريف مصر، وكان ما تخرجه المناسج يحمل إلى الأسواق الكبرى في منف والإسكندرية، أو كان يحمل في الصحراء مرحلة قصيرة حتى يبلغ ميناء «بيرينيقة» على البحر الأحمر، ومن ثم ينقل في السفن إلى البلاد الأخرى. وكانت منسوجات الكتان والستائر ذات الصور - التي تتخلل نسيجها خيوط من الذهب، وتوشيها النقوش البديعة من التطريز في ألوان جميلة - كانت كلها من صناعة الصانع القبطي. وإنا كلما أمعنا في درس تاريخ مصر، سواء منه ما كان في العصر البيزنطي أو العصر العربي، زاد يقيننا بأن القبط كانوا أصحاب الفضل في بقاء آثار الصناعة حية ماثلة في البلاد، وذلك في كل شعبة من شعبها؛ في صياغة الذهب، وتطعيم المعادن، والزخرفة بالميناء، وصناعة الزجاج، وغير ذلك من صناعات الإنشاء أو التجميل.
على أنه لا بد لنا أن نتدارك خطأ قد يقع فيه من يتصور أن المهارة في الصنعة وحسن الاختيار والبصر كانا وقفا على القبط فاقوا فيهما كل من عداهم من صناع الدولة البيزنطية أو أرمينيا وأشور وفارس، فإن ذلك لم يكن، والحق أنه قد كان بكل بلاد الشرق صناعة فائقة تخرج من المنسوجات والمطرزات وآنية الذهب والفضة والجواهر البديعة الصنع. ولقد كانت مصر تصنع الطنافس الجميلة، ولكنا لا نقدر أن نقول إنها كانت تضارع ما تخرجه بلاد الفرس من طنافسها البديعة.
38
وكذلك كان الحال في بعض الرسوم التي توضح الكتب؛ فقد جاء بعض بدائعها من صناعة فارس والعراق كما جاء من صناعة بيزنطة. وكانت أكبر المصابغ التي يصبغ فيها الحرير الأرجواني الذي يصنع منه برد الملك في مدينة بصرى بالشام، وهي المدينة التي فتحها الفرس ثم العرب من بعدهم. وقد رأينا فيما سلف أن كسرى لم يكن من الملوك الهمج أو أشباههم، بل كان رجلا مهذبا عالما، وكانت فنون الفرس في عهد الساسانيين قائمة على آثار القدماء من الأشوريين والبابليين، وكانت تضارع فنون الدولة البيزنطية في الدقة وحسن الانسجام.
وكانت فوق ذلك ذات أثر أبلغ من أثر الروم في صناعة العرب ونشأة مذهبها في الرسم والنقش، وهو المذهب الذي اشتهرت به دمشق في العصور الوسطى.
ولعل أكبر صناعات الإسكندرية كانت صناعة بناء السفن؛ فإن الإسكندرية كانت أكبر أسواق العالم، وأكثر ثغوره ازدحاما وحركة، وكانت بها تجارة عظيمة في القمح والكتان والورق والزجاج وغير ذلك من صنوف ما تخرجه البلاد، وكانت تحمل إليها مقادير عظيمة من الذهب والعاج من بلاد النوبة وأثيوبيا، وكانت فوق ذلك أنواع البهار والحرير والفضة والجواهر وغيرها تأتي من بحار الهند والصين إلى البحر الأحمر، ومن القلزم (وهي السويس)، فتحمل في الترعة إلى «منفيس»، ومنها تنحدر في نهر النيل إلى الإسكندرية، حيث كانت تبعث إلى أطراف البحر الأبيض المتوسط. ومثل هذه التجارة العظيمة لا بد لها من عدد كبير من السفن، وكانت مصر منذ الأزمنة القديمة خلوا من موارد الخشب الذي تصنع منه السفن، ومع ذلك قد كانت الأخشاب تشترى من بلاد الشام وغيرها لبناء السفن في الإسكندرية؛ إذ كان بناؤها هناك في مقر التجارة التي تحتاج إليها أعود بالربح وأجدى على التجار، وكانت مصر فوق كل ذلك تنبت نوعا من التيل يليق كل اللياقة لعمل الحبال وأدوات السفن.
39
Halaman tidak diketahui