Fath Arab untuk Mesir
فتح العرب لمصر
Genre-genre
4
ولا يرد هنا ذكر لحوادث مصر وما كان لها من الأثر في مصير الثورة، بل لقد جاء في كتاب «جبون» بعد بضع صفحات من الباب نفسه وصف لدخول الفرس في مصر في أيام كسرى سنة 616 للميلاد، وفيه يقول عن مصر صراحة: «إنها كانت الإقليم الأوحد من أقاليم الدولة لم تعتره غزوة من خارجه ولا حرب في داخله منذ أيام دقلديانوس.» وهذه عبارة يعجب لها الإنسان؛ لأن «جبون» ينقض جزءا منها في وصفه القصير المبين لأقباط مصر في الباب الثاني؛ فالحق أن الإنسان كلما أمعن في درس ذلك العصر تبين له وزاد عنده وضوحا أن مصر كانت فيه أكثر بلاد الدولة هياجا، وأيقن أن أمورها كانت في اضطراب يكاد يكون مطردا منذ انعقد مجلس «خلقيدونية»، وما أكثر الأدلة على ذلك الاضطراب في ثنايا كتاب «حنا النقيوسي»، وفي كتب أخرى مثل «تاريخ بطارقة الإسكندرية» الشهير الذي ألفه «رينودو». وهذه الكتب تصف اضطراب مصر بغير تعرض للقصة التي نحن بصددها؛ قصة هرقل ذاتها.
وليس هذا موضع البحث في حوادث تاريخ مصر في القرنين الأخيرين من حكم الرومان، كما أنه ليس موضع البحث في المراجع التي يرجع إليها في ذلك التاريخ. ويقيننا أنه إذا جاء الوقت الذي يكتب فيه تاريخ هذا العهد كتابة وافية، ظهر أن ذينك القرنين كانا عهد نضال متصل بين المصريين والرومانيين، نضال يذكيه اختلاف في الجنس واختلاف في الدين، وكان اختلاف الدين أشد أثرا فيه من اختلاف الجنس؛ إذ كانت علة العلل في ذلك الوقت تلك العداوة بين «الملكانية» و«المونوفيسية»،
5
وكانت الطائفة الأولى، كما يدل عليه اسمها، حزب مذهب الدولة الإمبراطورية وحزب الملك والبلاط، وكانت تعتقد العقيدة السنية الموروثة، وهي ازدواج طبيعة المسيح، على حين أن الطائفة الأخرى، وهي حزب القبط (المونوفيسيين) أهل مصر، كانت تستبشع تلك العقيدة وتستفظعها، وتحاربها حربا عنيفة في حماسة هوجاء يصعب علينا أن نتصورها، أو نعرف كنهها في قوم يعقلون، بله ممن يؤمنون بالإنجيل؛ فالحق أن روح التعصب الشديدة التي ثارت بمن مزقوا جسم «هيباشيا» قطعا في المحراب كانت لا تزال كامنة في القلوب لم تتغير. غير أنها بعد أن كانت تدفع إلى التنكيل بفتاة جميلة يعزى إليها ذنب الوثنية، صارت تثور بفرقتين كل منهما تدعي أنها ابنة المسيح، وترمي الأخرى بأنها من نسل الشيطان. وفوق هذا قد كان يزيد الأمر شرا ما كان بين الحزبين الأخضر والأزرق من نضال؛ إذ كانت عداوة هذين الحزبين في مصر عداوة حقيقية بلغت أشد ما بلغته عداوتهما في أي جهة من جهات الدولة الرومانية. ولم تكن تلك العداوة ناشئة عن خلاف الدين، غير أن الخلاف الديني كان يزيدها ضراما.
حسبنا هذا القول لندل به على ما كانت عليه مصر في ذلك العصر من السلام في داخلها. أما ما يزعم الزاعمون من أنها كانت بمنجاة من غزوات الأجانب وإغاراتهم، فيكفي لإظهار خطئه أن نذكر إغارة الفرس في أيام الإمبراطور «أنستاسيوس» حين أحرقت كل أرباض الإسكندرية كما يشهد بذلك «سعيد بن بطريق»، وهو كاتب مصري المولد، وهو يذكر أن القتال ظل قائما بين المصريين وغزاة الفرس في مواقع يتلو بعضها بعضا، وأن البلاد عصفت بها مخالب الخراب، فلم تكد تنجو من السيف حتى أصابتها مجاعة دفعت بالناس إلى الثورة. وماذا عسانا أن نذكر عن عسف الاضطهاد، وعن المذابح وما سال فيها من الدماء، وتشجيع الحكام لذلك حتى «جستنيان» نفسه؟ وماذا عسانا أن نذكر من الثورات الصغيرة مثل تمرد «أرستماخوس» في أيام الإمبراطور «موريق»، ومن خروج اللصوص في عصابات منظمة، ومن غارات البدو وقبائل السودان وما يصحبها من انزعاج دائم؛ إذ كانت تلك القبائل إذ ذاك كما هي اليوم خطرا يهدد حدود البلاد؟ فلئن كانت الحرب في كثير من الأحيان غير ثائرة في البلاد في الحقيقة، فإن شبحها المخيف كان يتراءى لها أبدا، ويرفعه الآل على آفاقها .
فمن الواضح إذن كما ترى أن أسبابا كثيرة أدت إلى أن تكون تلك البلاد دائمة الاضطراب، وكانت الأحزاب بها كثيرة عنيفة الخلاف؛ فكان لأي غاز عقد العزم على غزوها أن يعتمد على أحد تلك الأحزاب التي بها. أما «نيقتاس» فقد أعانه أن «فوكاس» كان كريها عند الناس كراهة لا شك فيها؛ ذلك لأن جرائمه قد زادت على الطاقة حتى في نظر الرومانيين أنفسهم، وكان القبط يرونه طاغية فتاكا، وكان فوق ذلك قطب سلطة أجنبية وعقيدة مكروهة
6
كان وجودها بينهم ينغص عليهم حياتهم، ويجعل عشيهم مرا. على أنه من الجائز أن «نيقتاس» أحس أن بقاءه بمصر لازم حتى بعد خروج «بنوسوس» منها لكي يدعم سلطانه ويوطده. ومن سوء الحظ أن تواريخ تلك الفترة ليس من السهل إدراكها؛ فإن «حنا النقيوسي» على ما يظهر يزعم أن مدة الحرب قبل هزيمة «بنوسوس» عند الإسكندرية قد وقعت في السنة السابعة من حكم «فوكاس»؛ أي قبل تمام سنة 609، فتكون الواقعة ذاتها إذن قد حدثت في شهر نوفمبر من تلك السنة،
7
Halaman tidak diketahui