فخرج يعقوب ثم عاد وأخبر ألفونس أن القائدين قادمان، ثم جاءا وقد لبسا ملابس السفر وشعرهما - مثل شعور سائر القوط - مسترسل على أكتافهما ودلائل الصحة بادية على وجهيهما، وملامح النعم في قيافتهما، فلما دخلا سلما على ألفونس باحترام وهما يعرفانه منذ كان أبوه حيا ويحترمانه من أجل ذلك، وقد سرهما توليه قيادة تلك الفرقة لما يعلمانه من حسن أخلاقه وطيب عنصره. وكانا من أهل الغيرة على عصبية القوط لم يرضيا برودريك إلا مع الجماعة، فإذا خلوا تحدثا بما كان من تحول النفوذ إلى العنصر الروماني بعد تولي رودريك، ولكنهما لم يكونا يجسران على التصريح بذلك بين يدي أحد حتى ولا ألفونس نفسه؛ لأنه أصبح مثلهم في ذلك.
فلما رآهما ألفونس تذكر أنه شاهدهما من قبل، ولكنه استغرب تأهبهما للسفر قبل أن يصدر لهما الأمر بذلك فقال: «أراكما بملابس السفر؟»
ومبا
فتكلم أحدهما، واسمه «ومبا»، وكان طويل القامة، شديد سواد العينين والشعر، وقال: «لقد وردت إلينا الأوامر بذلك من جلالة الملك تعجيلا للرحيل، فالجند الآن كله على أهبة السفر، ولم يبق إلا أن يصدر الأمر من مولاي ألفونس.»
فلما سمعه يذكر اسمه استأنس به وشعر براحة إليه وقال: «نغادر هذا المعسكر الآن، فأرجو أن تتوليا تدبير الجند في رحيله وإقامته إلى أن نبلغ مقصدنا.»
فأشارا بإحناء الرأس أن: «سنفعل.» ثم تكلم ومبا، وكانت له جرأة وتقدم على رفيقه، قائلا: «ألا ينبئنا مولاي عن الجهة التي نحن ذاهبون إليها؟»
قال ألفونس: «إننا ذاهبون إلى أستجة على نهر السنجيل في كونتية بتيكة، فهل تعرف الطريق إليها؟»
قال: «أعرفها جيدا، فإن الطريق إليها نحو الشمال والغرب إلى مريدة على نهر أناس، فنعبره ونسير شمالا شرقيا إلى قرطبة، ثم ننحدر شمالا شرقيا إلى أستجة على نهر السنجيل، وقد عرفت هذه المدينة وصليت في كنيستها، وأقمت في قلعتها، وعبرت على جسرها، وعرفت أديرتها وأسواقها.»
قال ألفونس: «بورك فيك، لقد ألقيت الأمر إليكما في تدبير هذه الحملة في أثناء المسير، ولكنني أوصيكما بأمر يهمني كثيرا، وذلك أنني لا أريد أن يعتدي الجند في أثناء الطريق على أحد من الفلاحين، ولا يأخذوا لأحد مالا أو زرعا، ولا يسيئوا لأحد في معاملة، فإذا فعل أحد ذلك كان جزاؤه عندي الجلد أو القتل، وإذا كان من أرباب الرتب جردته من رتبه وأملاكه وأهنته، فإني أريد أن يسير هذا الجند بكل هدوء وسكينة.»
فلما سمع ومبا ذلك ظهر الإعجاب في عينيه البراقتين وقال: «بورك فيك وفي أصل أنت فرعه، لقد عودنا المرحوم أبوك مثل هذا العدل والرأفة ...»
Halaman tidak diketahui