Pembukaan Andalusia

Jurji Zaydan d. 1331 AH
52

Pembukaan Andalusia

فتح الأندلس

Genre-genre

أما فلورندا فلما سمعت تصريحه بالمنكر، وثبت لديها قرب الخطر، التفتت إلى ما حولها كأنها تفتش عن ضائع أو تستنجد برفيق. فعلت ذلك وهي لا تعلم لماذا فعلته، وهمت بالجواب، فقطع رودريك كلامها قائلا: «عمن تبحثين؟ إننا في غرفة ليس معنا ثالث، وليس على وجه الأرض من يستطيع أن يحول بيني وبين ما أريد، فأقبلي طائعة، فإنه أحفظ لحياتك وأدعى إلى سعادتك.»

وكانت فلورندا حين سمعت قوله: «وليس معنا ثالث» قد تذكرت ما كانت تقرؤه وتسمعه من آيات الكتاب المقدس، وأن من يتوكل على الله لا يفشل، وأن الله موجود في كل مكان. وقد تقدم أن فلورندا كانت من أقوى الناس إيمانا، فأحست للحال باطمئنان وكأنها محاطة بزمرة من الملائكة يحرسونها، وتشجعت ونظرت إلى رودريك وهي تتفرس فيه، وقالت: «تزعم أننا منفردان وأن الجو خال لك، وقد فاتك أن الله موجود في كل مكان، لا يدع لأحد سلطانا يغلب سلطانه، ثم إني سمعتك تهددني بالقتل، فاقتل، ثم اقتل. اقتلني فإني لا أبالي بحياتي، ولكن أتوسل إليك ألا تمس ألفونس بسوء. آه يا ألفونس!» قالت ذلك وقد خنقتها العبرات، وأطلقت لنفسها عنان البكاء.

فلما سمعها رودريك تبكي لم يزدد إلا حنقا، وبخاصة بعد أن سمع ذكر ألفونس. على أنه لما رأى توبيخها وثباتها مع شدة تعلقها بحبيبها ورغبتها في بقائه، تراءى له أن يعرض عليها استبقاءه فقال: «إذا كانت حياة ألفونس تهمك بهذا المقدار، فإني إكراما لعينيك أبقيه وأرقيه وأجعله من أسعد أهل طليطلة، ولا يكلفك ذلك إلا أن تقلعي عن عنادك.»

فابتسمت استخفافا بذلك الرأي، وقالت: «إن الأمر الذي يرضيك مني أن أبذله إنما هو أثمن ما لدي في هذا العالم، أثمن من حياتي، بل أثمن من ألفونس، من ألفونس نفسه؛ لأني بدون ذلك الإكليل المجيد، بدون تلك الجوهرة الثمينة، لا أستحق نظرة من ألفونس ولا من سواه، بل أنا لا أساوي شيئا، وهل تظنني - لولا ذلك - أستطيع مخاطبة الملك بهذه الجرأة؟»

فرأى رودريك أنها تطيل الجدال، وهو لا يجد ما يدفع به حجتها، ولا هو يريد الاقتناع بقولها؛ لأن ميوله البهيمية غلبت على عقله وإرادته، وقد يكون - وهو يجادلها ويراودها - مقتنعا بأنه يلتمس أمرا منكرا، وأنها محقة في توبيخه، ولكنه لا يملك عنان شهواته. وفي هذا الموقف الحد الفاصل بين الفضيلة والرذيلة؛ لأن الناس يتشابهون في ميولهم الجسمانية، وفي تمييزهم بين الفضيلة والرذيلة، ولكنهم يتفاضلون بقوة الإرادة على كبح الشهوات والعمل بما يقتضيه الضمير في مثل ذلك الموقف، وأقربهم إلى الفضيلة أقواهم إرادة؛ فأهل النزاهة والعفة لا يفضلون سواهم بالتمييز بين الخير والشر، ولا يفهمون من معنى الفضائل والرذائل أكثر مما يفهم سواهم، ولكنهم يفضلونهم بالقدرة على ضبط عواطفهم برهة قد لا تزيد على بضع دقائق، فإذا استطاعوا ضبطها حفظوا كرامتهم طول العمر وعاشوا في راحة وسعادة، يدل على ذلك أن الذين يعجزون عن كبح شهواتهم فيستسلمون لأهوائهم لا يلبثون أن يندموا حين لا ينفع الندم.

اليأس

وكان رودريك مع قوة بدنه ضعيف الإرادة، فلما سمع تقريع فلورندا أدرك خطأه، ولكنه تجاهل وتعامى وتصامم وعاد إلى المغالطة فأظهر الغضب ووقف بغتة، وقال لها: «أراك تريدين المدافعة بغير فائدة، ولم يبق لي صبر على أقوالك. ألا تشعرين بما تعرضين نفسك له من الخطر؟ ومع ذلك فما لا يمكن أن نناله برضاك لا بد منه برغم أنفك.» قال ذلك ودنا منها وقبض على ذراعها ويده ترتعش، فاقشعر بدن فلورندا وأحست كأنه ممسك ذراعها بقبضة من حديد، فصاحت: «ويلك يا ظالم! تبا لك يا فاسق! ألا تخاف يوم الحساب؟ ألا تخاف الله؟ قبح الله ملكا يتولى إنصاف المظلومين وهو أكبر الظالمين! ولعن الله رجلا يزعم أنه أقيم لكبح جماح المتمردين، وهو لا يقوى على كبح شهواته!» ثم أرسلت بصرها نحو السماء ورفعت يدها الأخرى، وقالت: «إليك أتوسل أيها المخلص الحبيب، وأعوذ بك من هذا الظالم الخائن.»

وكان رودريك في أثناء ذلك يحاول أن يمسك بيدها الأخرى وهي تحاول التخلص منه، فاقترب فمه من وجهها فاشتمت رائحة الخمر، فهمت أن تقول شيئا فاعترض قولها رعود قاصفة، توالت بضع ثوان أعقبها صوت صاعقة انقضت بالقرب من ذلك المكان فارتج لها القصر من أساسه، ونفذ وميض البرق من شقوق النوافذ كأنه حراب من نار، فكان لتلك الحركة تأثير شديد على نفس رودريك شغله لحظة عن فلورندا، وتولاه الرعب لأنه توهم لأول وهلة أن القضاء يتهدده، كما يفعل بعض الذين يربون في مهد الدين، فيعتقدون أن الأقدار تراقب حركاتهم وسكناتهم، وأن الطبيعة لا تعمل عملا إلا وهي تتعمد به خيرهم أو شرهم، إما ثوابا على حسنة، أو عقابا على سيئة، وربما اعتبر بعضهم العمل الواحد تارة ثوابا وطورا عقابا تبعا لما يوحيه إليه ضميره. والضمير يندر أن ينخدع إلا أن يكون قد مات بتوالي ارتكاب المنكرات أو غلب عليه تيار الشهوات، كما أصاب رودريك لما سمع قصف الرعد وانقضاض الصاعقة، فإنه تهيب لأول وهلة، وامتقع لونه واختلج قلبه، ولعله ندم وعول على الرجوع عن قصده. على أن ذلك الخاطر لم يمر في ذهنه إلا مرور البرق إلى ما كان عليه.

وأما هي فإنها اغتنمت تلك الفرصة ونزعت يدها من يده، وقد اعتبرت انقضاض تلك الصاعقة نصيرا لها عليه، إجابة لصوت دعائها، فالتفتت إليه وهي تقول: «ألا تعلم أن في الكون من ينتصر للضعيف على القوي؟ ألا يستطيع ذلك الجبار أن ينزل عليك وعلى قصرك صاعقة تذهب بكما إلى الفناء العاجل؟»

فأفحم رودريك لما رأى الأقدار تزيد حجة فلورندا عليه، ولكنه اعتبر نفسه في موقف انتقام، ولم يزدد إلا تماديا في غرضه، فتقدم إليها وقبض بإحدى يديه على كتفها ومد يده الأخرى ليقبض على يدها ثم يرفسها بقدمه، فتشددت هي وجذبت نفسها من بين يديه، فأفلتها بالرغم عنه لأنه لم يكن قد أمسكها بكل قوته. فلما أفلتت منه اشتد غضبه، فهجم عليها هجوم الثور وهو لا يبالي بما يكون من أمرها.

Halaman tidak diketahui