امرأة جاءت إلى القاضي وقالت أنا فلانة بنت فلان بن فلان وأن زوجي فلان بن فلان فلان عال عني ولم يخلف لي نفقة وطلبت من القاضي أن يفرض لها النفقة فهذا على وجهين إما إن كان للغائب مال حاضر في منزله من جنس النفقة كالدراهم والدنانير أو الطعام أو الثياب التي تكون من جنس الكسوة والقاضي يعلم أنها منكوحة الغائب فإن القاضي يأمرها أن تنفق على نفسها بالمعروف من ذلك المال من غير سرف ولا تقتير بعدما يحلفها القاضي بالله ما استوفيت النفقة ولم يكن بينكما سبب يمنع النفقة كالنشوز وغيره ويأخذ منها كفيلا لأنها لو ظفرت على مال الزوج بشيء من جنس النفقة كان لها أن تأخذ ذلك سرا أو جهرا وإن كره الزوج فكان أمر القاضي إعانة لها على استيفاء الحق ولم يكن قضاء إلا أنه يأخذ منها كفيلا أو يحلفها نظر للغائب وإن كان القاضي لا يعلم نكاحها وليس للغائب مال حاضر فأقامت المرأة البينة على النكاح لا يقبل القاضي بينتها قال الحاكم الشهيد رحمه الله وهذا قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد رحمه الله تعالى وقال شمس الأئمة السرخسي لا تقبل بينة المرأة عندنا بالاتفاق وإنما تقبل عند زفر رحمه الله تعالى قال وفرق أبو يوسف رحمه الله تعالى بين ما إذا كان للغائب مال حاضر وبين ما إذا لم يكن إن كان له مال حاضر يقبل القاضي بينتها وإن لم يكن لا يقبل وقال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله تعالى قال مشايخنا رحمهم الله تعالى كما نظن أن بينة المرأة على الزوج لا تقبل عند أصحابنا إذا لم يكن له مال حاضر وتقبل عند زفر رحمه الله تعالى وإنما عرفنا قول أبي يوسف رحمه الله تعالى في هذه المسألة كما هو قول زفر رحمه الله تعالى من الخصاف فقال تقبل بينة المرأة على قول أبي يوسف وزفر رحمهما الله تعالى في فرض النفقة على الغائب ولا تقبل في النكاح وليس في قبول البينة على هذا الوجه ضرر بالغائب فإن الغائب إذا حضر لو أقر بالنكاح كان له أن تأخذ النفقة المفروضة إن أنكر النكاح كان القول قوله وعليها إعادة البينة على النكاح ويجوز أن تقبل البينة في حكم دون حكم كما لو وكل رجلا بنقل عياله او عبده إلى بلد فأقامت المرأة البينة على الطلاق والعبد على العتق تقبل هذه البينة في قصر يد الوكيل ولا تقبل في الطلاق والعتاق وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى في رواية إذا لك يعلم القاضي بالنكاح وليس للغائب مال حاضر فأقامت المرأة البينة على النكاح يقول لها القاضي إن كنت صادقة قد فرضت لك النفقة على الغائب وإن كنت كاذبة لم أفرض لك فإن كانت صادقة تستحق النفقة وإلا فلا والقضاة في زماننا يقبلون البينة على النكاح لفرض النفقة لأنه مجتهد فيه وللناس حاجة وعلى قول من يقبل هذه البينة لا تحتاج المرأة إلى إقامة البينة إن الغائب لم يخلف لها النفقة وكما لا يفرض القاضي على الغائب إذا لم يعلم بالنكاح في ظاهر الرواية لا يأمرها بالاستدانة وكان أبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول أو لا يأمرها بالاستدانة ثم رجع وعلى هذا لو كان للغائب وديعة في يد رجل من جنس النفقة أو دين على رجل فطلبت المرأة نفقتها من الوديعة أو الدين إن كان المودع والمديون مقرا بالوديعة والنكاح والدين يأمرهما بأداء النفقة نظرا للمرأة كما لو كان المال موضوعا في بيته بعد ما يحلفها بالله ما استوفيت النفقة ويأخذ منها كفيلا في قولهم وإن شاء ضمنها ومعنى هذا الضمان أن يقول لها لا أصدقك ولكني أقرضك فإن كنت صادقة فلا شيء عليك وإن كنت كاذبة استرد منك المال والوديعة أولى من الدين في البداءة بالإنفاق عليها وبعدما أمر القاضي المودع أو المديون إذا قال المودع دفعت المال إليها لأجل النفقة قبل قوله ولا يقبل قول المديون إلا ببينة ولو كان على الغائب دين آخر غير النفقة فأحضر صاحب الدين غريما آخر للغائب أو مودعا للغائب لا يأمر القاضي المودع والمديون بقضاء الدين وإن كان مقرا بالمال والدين ولو دفع المودع الوديعة إلى امرأة صاحب الوديعة لأجل النفقة أو إلى ولده أو إلى والديه إن دفع بأمر القاضي لا ضمان عليه وإن بغير أمر القاضي كان ضامنا كما لو قضى المودع بالوديعة دينا لصاحب الوديعة فإنه يضمن ولو كان المودع أو المديون جاحدا للمال والنكاح فأقامت المرأة البينة على ما ادعت لم تقبل بينتها أما في المال فلأنها تثبت مالا للغائب وإنها ليست بخصم عنه وأما إذا أقامت البينة على النكاح فلأنها تثبت النكاح على الغائب وليس عن الغائب خصم حاضر فلا تقبل البينة في قول أبي حنيفة الآخر وهو قول صاحبيه رحمهما الله تعالى ولو أن المرأة استدانت على زوجها الغائب يعني اشترت طعاما بالنسيئة لتقضي الثمن من مال الغائب إن استدانت بغير أمر القاضي لا يلزم زوجها في قول أبي حنيفة الآخر وهو قول صاحبيه حتى لو حضر الغائب لا يكون لها أن ترجع على الغائب وإن استدانت بأمر القاضي رجعت بذلك على زوجها والمفقود في جميع ما ذكرنا بمنزلة غائب آخر ولا يباع على الغائب عروضه في النفقة وإذا بعث الرجل إلى امرأته بثوب فقال الزوج هو مهر أو قال هو من الكسوة وقالت المرأة هي صلة كان القول قول الزوج وكذا لو أعطاها دراهم فقال هي نفقة وقالت المرأة هي هدية كان القول قول الزوج وكذا لو كان على الرجل ديون مختلفة فأدى شيئا وقال هو من دين كذا كان القول قوله لأنه هو المملك وكذلك الزوج إلا أن تقيم المرأة البينة أنه بعث إليها هدية وإن أقاما جميعا البينة فالبينة بينة الزوج وكذا لو أقام كل واحد منهما البينة على إقرار الآخر كانت البينة بينة المملك وكذلك لو اختلف الزوجان بعد فرض النفقة في مقدار المفروض أو فيما مضى من الزمان بعد فرض القاضي كان القول قول الزوج لأنه ينكر الزيادة والبينة بينة المرأة لأنها تثبت الزيادة.
رجل له عمامة واحدة لا يجبر على بيعها في النفقة لأنه لا يجبر على بيع ثياب البدن في سائر الديون فكذلك في النفقة ولا يباع على الزوج الحاضر عروضه في الدين والنفقة في أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأن ذلك حجر وهو لا يرى الحجر وقال صاحباه رحمهما الله تعالى تباع عروضه في الدين والنفقة وإذا استعجلت المرأة نفقة مدة ثم ماتت قبل مضي تلك المدة ليس للزوج أن يسترد شيئا من ذلك في قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى وقال محمد رحمه الله تعالى يسلم لورثتها حصة ما مضى من المدة ويرد الباقي على الزوج إن كان قائما ومن تركتها إن لم يكن قائما لأنه عجل النفقة لإسقاط الواجب وقد بطلت النفقة بالموت فيسترد المعجل لفوات الفرض كما لو أعطى لامرأة نفقة ليتزوجها فماتت كان له أن يسترد ذلك ولو أعطى النفقة للتي طلقها ثلاثا في عدة المحلل ليتزوجها بعد انقضاء العدة فلم تزوج نفسها منه قال الشيخ الإمام أبو بكر محمد بن الفضل رحمه الله تعالى إن أعطاها دراهم كان له أن يرجع إلا أن يكون على وجه الصلة وقال غيره من المشايخ رحمهم الله تعالى إن أعطى النفقة وشرط فقال أنفق عليك على أن تتزوجيني فزوجت نفسها منه أو لم تزوج كان له أن يرجع عليها وإن لم يذكر ذلك إلا أنه عرف دلالة أنه ينفق لأجل ذلك قال بعضهم لا يرجع وقال الشيخ الإمام الأجل الأستاذ ظهير الدين رحمه الله تعالى يرجع بذلك على كل حال لأنه رشوة إلا أن ينص على الصلة.
امرأة لها زوج موسر يقال للابن أقرضه ويجبر عليها فإن أبى يفرض على النفقة.
Halaman 213