Fatawa Hadithiyya
الفتاوى الحديثية
Penerbit
دار الفكر
وأدام على نزله هواطل رِضَاهُ الهامعة آمين، وَالله ﷾ أعلم. ٥٩ وَسُئِلَ نفع الله بِعُلُومِهِ: عَن قَوْله ﷺ (إِن عِيسَى أخي لَيْسَ بيني وَبَينه نبيّ) أَو كَمَا قَالَ كَمَا فِي الشِّفَاء عَن مُسلم، وَنقل الْبَيْضَاوِيّ فِي (تَفْسِيره) أَنه كَانَ بَينه وَبَين عِيسَى عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام نبيان فَمَا الْجمع بَينهمَا؟ فَأجَاب بقوله: خبر مُسلم أصح من هَذَا القَوْل فليقدم عَلَيْهِ، وعَلى التنزل فَيجمع بِحمْل النَّفْي فِيهِ على أَنه لم يكن بَينهمَا نَبِي مَشْهُور يعرفهُ كل أحد، وَلَا خُصُوصِيَّة لمُسلم بذلك. فقد روى البُخَارِيّ أَيْضا وَأحمد وَأَبُو دَاوُد عَن أبي هُرَيْرَة أَنه ﷺ قَالَ: (أَنا أولى النَّاس بِعِيسَى بن مَرْيَم فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَيْسَ بيني وَبَينه نبيّ والأنبياء أَوْلَاد علاتْ أمهاتهم شَتَّى وَدينهمْ وَاحِد): أَي فروع شرائعهم مُخْتَلفَة وأصولها متحدة، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَالله أعلم. ٦٠ وَسُئِلَ نفعنا الله بِعُلُومِهِ بِمَا صورته: فِي الحَدِيث الَّذِي رَوَاهُ مُسلم وَأحمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَذكره النَّوَوِيّ فِي أربعينه ومجموعه وَفِي غَيرهمَا وَهُوَ: (وليحدَّ أحدكُم شَفْرتَه وليرح ذَبِيحَته) هَل لفظ النَّبِي ﷺ: (وليرح ذَبِيحَته) أَو فليرح أَو فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا بالوارو وَالْأُخْرَى بِالْفَاءِ، وَهل وجود الْفَاء فِي نُسْخَة أَو نسختين يقْضِي بِأَنَّهُ رِوَايَة يعْتَمد عَلَيْهَا حَتَّى تنظر فِي أَي الرِّوَايَتَيْنِ أظهر معنى أم لَا يقْضِي بذلك فَيحرم جعله رِوَايَة، أَو يجب الانكفاف عَن قرَاءَتهَا وَلَا يخطأ الرَّاد على قَارِئهَا، وَإِذا قُلْتُمْ إِن الْفَاء ثَابِتَة فِي الرِّوَايَة فَهَل هِيَ سَبَبِيَّة أَو لَا، وَهل جعلهَا سَبَبِيَّة أظهر معنى من رِوَايَة الْوَاو أَو لَا، وَإِذا لم يثبتْ أنَّ الْفَاء لَيست فِي الرِّوَايَة فَهَل يجوز قرَاءَتهَا فِي الحَدِيث بِنَاء على أَنَّهَا أكمل معنى من الْوَاو على مَا زَعمه بعض الطّلبَة أَو لَا يجوز ذَلِك مُطلقًا، أفيدونا أثابكم الله الْجنَّة فَالْمَسْأَلَة وَاقعَة حَال، والقَصْدُ الْعلم بالوارد، ليرتفع الْإِشْكَال ويتضح الْحَال وَنَرْجِع إِلَى الْحق فَالْحق أَحَق أَن يتبع؟ فَأجَاب نفعنا الله بِعُلُومِهِ: قد كَشَفْتُ عَن هَذَا الحَدِيث فِي كتب فقهائنا وَغَيرهم مَعَ كثرتهم كَثْرَة مفْرطة جدا، وَكتب متون الْأَحَادِيث سِيمَا المستخرجات على مُسلم وَكتب شروحها مَعَ كثرتهم كَثْرَة كَذَلِك فَرَأَيْت الْكل مطبقين على كِتَابَة الْوَاو فِي (وليرح ذَبِيحَته) بعد نقلهم الحَدِيث عَن مُسلم وَحده تَارَة مَعَ غَيره أُخْرَى، وَلم نر أحدا مِنْهُم عوّل على غير الْوَاو فِي كِتَابه، وَلَا رِوَايَته إِلَّا سعيد بن مَنْصُور فِي (سنَنه) فَإِنَّهُ ذكره بِلَفْظ (ثمَّ ليرح ذَبِيحَته) . وَقد صرح ابْن الصّلاح وَغَيره بِأَن كَثْرَة النّسخ تنزل تَارَة منزلَة التَّوَاتُر، وَتارَة منزلَة الاستفاضَة وَمن الْمَعْلُوم أَن التَّوَاتُر وَلَو معنويًا يُفِيد الْعلم الضَّرُورِيّ، وَأَن الْأُصُولِيِّينَ اخْتلفُوا فِي أَي عدد يُفِيد التَّوَاتُر وَجُمْلَة مَا رَأَيْنَاهُ من الْكتب الَّتِي بِالْوَاو فِي ذَلِك يقرب من أَعلَى مَا قيل فِي حد التَّوَاتُر، إِذا تقرر ذَلِك عُلِم أنَّ رِوَايَة الْوَاو هِيَ الْأَمر الْمُتَيَقن الضَّرُورِيّ الَّذِي لَا شكّ فِيهِ وَلَا مرية، فَلَا يحْتَاج بعد ذَلِك إِلَى الْبَحْث عَنْهَا، وَأما الْفَاء فَلم أرَ من ذكرهَا صَرِيحًا وَلَا إِشَارَة، وَلَكِن السَّائِل ذكر أَنَّهَا فِي نُسْخَة أونسختين، وَمن الْمَعْلُوم أَن وجودهَا فِيمَا ذكر من غير أَن يُوجد فِيهَا وصف الصِّحَّة الْمُتَعَيّن الْمَعْلُوم مِمَّا يَأْتِي لَا يسوغ اعْتِقَاد كَونهَا رِوَايَة بِالْإِجْمَاع كَمَا حَكَاهُ غير وَاحِد من الْأَئِمَّة: مِنْهُم الزين الْعِرَاقِيّ حَيْثُ قَالَ: نَقْل الْإِنْسَان مَا لَيْسَ لَهُ بِهِ رِوَايَة غير سَائِغ بِالْإِجْمَاع عِنْد أهل الدِّرَايَة. وَمِنْهُم الْحَافِظ ابْن حبر الأشبيلي الْمَالِكِي خَال الْحَافِظ السُّهيْلي صَاحب (الرَّوْض)، فَإِنَّهُ قَالَ: اتّفق الْعلمَاء على أَنه لَا يَصح لمُسلم أَن يَقُول: قَالَ النَّبِي ﷺ كَذَا حَتَّى يكون عِنْده ذَلِك القَوْل مرويًا وَلَو على أقل وُجُوه الرِّوَايَات، ويوافق ذَلِك ويشرحه قَول بعض الْحفاظ إِن الْمُحدثين لَا يلتفتون إِلَى صِحَة النُّسْخَة إِلَّا أَن يَقُول الرَّاوِي أَنا أروي أَي مَا فِيهَا بسندي الْمُتَّصِل؛ قَالَ بعض الْحفاظ بعد حكايته ذَلِك: وَأهل الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب هم أهل الْفَنّ على الْحَقِيقَة انْتهى. وَقد ظَفرت عَن إِمَام الْأَئِمَّة مَالك ﵁ بِمَا يُؤَيّد ذَلِك، فقد حكى جمَاعَة من أَئِمَّة النَّقْل عَن ابْن عبد الحكم عَن أَشهب: قَالَ: سَأَلت مَالِكًا أيؤخذ الْعلم عَمَّن لَا يحفظ وَهُوَ ثِقَة صَحِيح؟ قَالَ: لَا، قلت لَهُ: أَن يخرِّج كِتَابه وَيَقُول هُوَ سَمَاعي؟ قَالَ: أما أَنا فَلَا أرى أَن يحمل عَنهُ فَإِنِّي لَا آمن أَن يُكْتب فِي كِتَابه مَا لَيْسَ مِنْهُ بِاللَّيْلِ وَهُوَ لَا يدْرِي انْتهى. وَوَافَقَهُ على ذَلِك بعض الشَّافِعِيَّة، لَكِن الْمُعْتَمد عِنْد الْجُمْهُور جَوَاز الِاعْتِمَاد على الأَصْل المسموع الْمَحْفُوظ، وَإِن لم تَتَعَدَّد أُصُوله الَّتِي قوبل عَلَيْهَا كَمَا يَأْتِي عَن النَّوَوِيّ وَابْن الصّلاح رحمهمَا الله، وَإِنَّمَا سُقتُ مَعَ ذَلِك كَلَام مَالك لِأَنَّهُ صَرِيح فِي الْمَنْع فِي مَسْأَلَتنَا وَالتَّشْدِيد على من اعْتمد مُجَرّد الْوُجُود فِي نسختين مثلا؛ ويوافق ذَلِك وَلَعَلَّ الأَصْل فِيمَا قَالَه مَالك
1 / 63