قال: «لأنه عاد إلي في آخر الليل وقص علي ما لقيه وحاول إخفاء الحقيقة لكنني قرأتها من خلال حديثه.»
قال: «ماذا عمل؟»
قال: «ذهب في أثر لمياء فوجدها مع رجل عرف بعد ذلك أنه الحسين بن جوهر، وكان في انتظارها حتى يسير في خدمتها إلى مأمنها، فأنكر سالم عليه ذلك وأمرها أن تتركه وتسير معه، ففعلت، فلما أشرفوا على المنصورية خرج عليهما الحراس وكادوا يقبضون عليه ويسوقونه إلى السجن لو لم يبادر الحسين إلى إنقاذه، فعاد والفشل يقطر من أردانه. وشفع ذلك الفشل بالكذب فاقتضب الحديث ولم يذكر فشله. ولكن أبا حامد لا تنطلي عليه هذه الألاعيب. فوبخته على جبنه فغضب وخرج من عندي ولعله فر خوفا من غضبي ... ولو فتشت عنه في المعسكرين لم تقف على خبره.» قال ذلك بلحن الصدق وهو يظهر الأسف على ما جرى فصدق حمدون كلامه، وقال: «لله درك إنك تطلع على خفايا القلوب فلا أعجب من اطلاعك على سر سالم، ولكنني لم أعهد فيه شيئا من ذلك قبلا.»
قال: «هذا هو الواقع، ولعلك لو سألت لمياء عن هذا الأمر لصادقت عليه، وربما صرحت هي بالعدول عنه؛ لأنها شهدت فشله بنفسها.»
قال: «غدا نبعث إليها ونستطلع رأيها.»
قال: «حسنا تفعل، وأنا واثق أنها توافقك على ما ذكرت. وعند ذلك تتحول مهمتنا إلى ما هو أقرب لخير لمياء ونترك أمر الانتقام حتى تسنح لنا فرصة أخرى. وقد نرى من الحكمة السكوت عن هذا الأمر بالكلية، إذا رأينا القوم يعرفون قدرك ولا يبخسونك حقك.»
الفصل الثامن والعشرون
رأي لمياء
فارتاح بال حمدون إلى هذا الرأي وهو على ثقة من رضى لمياء وقد عزم على إقناعها به ... فبات تلك الليلة وهو يحلم بما سيكون له من المنزلة الرفيعة بعد تلك المصاهرة ونسي أنفة آل مدرار وعز سلطانهم! والحقيقة أنه لم يفطن لذلك العز لو لم يحرضه عليه أبو حامد الداهية. وأما حمدون فقد علمت ضعفه وسرعة تقلبه وأنه إنما كان يساق إلى طلب الانتقام بتحريض صاحبه هذا. فلما رآه قد وافقه على السكوت والرضا بالخضوع؛ فرح وبات تلك الليلة مطمئنا، وعزم على أن يبعث في استقدام لمياء إليه ليبشرها بذلك الرأي الجديد.
وأيقظه الغلام للسحور قبل الفجر، ولم يكد يفرغ من سحوره حتى أتاه الحاجب ينبئه بقدوم رسول من صقالبة القصر فأذن بدخوله فإذا هو لمياء متنكرة، فرحب بها وقبلها وقد توسم القلق في عينيها فعلم أنها مبكرة إليه بشأن ما كان فيه أمس، فابتدرها قائلا: «أراك مبكرة يا لمياء!»
Halaman tidak diketahui