وتنحنح أبو حامد ومسح شاربيه بيده وأرسلها على لحيته وحك عثنونه.
فقالت بنت الإخشيد: «بارك الله فيك ما الذي جئتنا به من أسباب الاطمئنان؟»
قال : «إن ما جئتك به يا مولاتي إنما هو أن أسعى في التوفيق بين القواد الإخشيدية والكافورية. وهذا لا يكون إلا أن أثبت لهم أن جند المغاربة لا يستطيع أن يفتح هذه البلاد؛ لأن انقسامهم إنما وقع بسبب خوفهم من الفشل وهذا طبيعي في كل زمان ومكان، لا يختصم شريكان إلا إذا خسرت تجارتهما. فإذا برهنت لهم - على يدك - أن أولئك الدعاة لا يمكن أن يفتحوا مصر تشددوا واتحدوا وطردوا العدو عن بلادهم.»
فأعجبت بنت الإخشيد بفصاحته وقوة حجته ونظرت إلى لمياء فوجدتها مصغية بكليتها ولم تنتبه إلى ارتباكها فقالت لأبي حامد: «وما هو دليلك؟»
قال: «دليلي أن قائد جند المغاربة رجل اسمه جوهر الصقلي، ولهذا الرجل غلام اسمه الحسين وهو عزيز عليه، فعلم الحسين هذا بمال كنا قد خبأناه في بعض الأماكن قرب سجلماسة لنستعين به على استرجاع ملكنا، فاغتنم غيابنا وذهب بشرذمة من الجند ليقبض ذلك المال، لكن رجالنا هناك قبضوا عليه وأرسلوه إلينا مغلولا، فإذا شئت دفعناه إليك ليكون رهنا تهددون به أباه إن توهم اقتداره على مصر.»
وتذكرت بنت الإخشيد قول لمياء إنها تعرف المعز وقائده وسائر رجال الدولة في القيروان، فلما سمعت ما قاله أبو حامد عن الحسين بن جوهر التفتت إليها فوجدتها لا تزال شاخصة تتطاول بعنقها لسماع بقية الحديث فقالت لها همسا: «هل تعرفين الحسين بن جوهر؟»
قالت: «نعم أعرفه وأحب أن تأمري بإحضاره لئلا يكون هذا الرجل كاذبا.»
قالت: «وهل تعرفين هذين الرجلين؟»
قالت: «نعم رأيتهما في القيروان، وسمعت عنهما ما يضعف الثقة بهما، فإذا أمرت بإحضار أسيرهما لنراه كان ذلك أقرب إلى التحقيق.»
فالتفتت بنت الإخشيد من وراء الستر وقالت: «أين هو ذلك الأسير.»
Halaman tidak diketahui