قال: «ليدخل الاثنان.»
فأدركت لمياء أن رفيقه إنما هو سالم بعينه فأخذت تتجلد. وكانت الشمس قد مالت إلى الغروب وأخذ الفراشون بإنارة الشموع فأصبحت لمياء في موقفها تخفيها ظلال الستائر بحيث لا ينتبه لها أحد وهي ترى كل حركة وتسمع كل صوت، ولم تبق حاجة إلى المذبة بعد الغروب وقد خفت وطأة الذباب. ونسي كافور وجودها عند رأسه فوقفت لا تتحرك.
وبعد قليل دخل أبو حامد وقد تزيا بغير زيه المعهود ودخل سالم في أثره وقد تغير شكله وهندامه حتى كادت تنكره، لكنها ما لبثت أن سمعته يلقي التحية حتى تحققت أنه هو بعينه. فخفق قلبها وارتعدت فرائصها وهي تتجلد وتتمالك لترى ما يكون. على أنها لم يكد يقع بصرها عليه حتى تذكرت تاريخ معرفتها به وكيف كانت تستهلك في حبه، وودت في تلك الساعة أن يخرج بريئا من تلك التهم واستعاذت بالله أن يكون كما قيل لها عنه، وندمت على مجيئها إلى ذلك المكان لتسمع أقواله بأذنها. وخافت إذا سمعت شيئا يثير غضبها أن لا تقوى على إمساك عواطفها فيفتضح أمرها، لكنها استجمعت قواها وتجلدت.
الفصل التاسع والخمسون
الحديث
فلما دخل الرجلان ألقيا التحية، فأشار إليهما كافور بالجلوس إلى كرسيين بين يديه، فجلسا متأدبين، وتصدر أبو حامد للكلام، فقال: «كنا في قلق عظيم على صحة مولانا الأمير - أعزه الله - ونرجو أن يكون قد تعافى.»
فناب الطبيب شالوم بالجواب عن كافور تخفيفا للتعب عنه وقال: «إن سيدي الأمير في خير وهو أحسن اليوم من ذي قبل ولا يلبث أن ينهض من الفراش.»
فقال كلاهما معا: «الحمد لله، الحمد لله على ذلك. إن اعتلال الأمير تعتل به الأمة كلها، ولا سيما الآن وقد دنا الوقت الذي يظهر به نجمه ويتسع سلطانه.»
فقال الطبيب: «إن مولانا الأمير في حاجة إلى التسلية بما يفرحه وهو العلاج الذي يفيده، حقيقة فهل عندك شيء من هذا القبيل؟»
وتقدم يعقوب فقال: «لا أنسى حديثا سمعته منكما في حضرة الأمير، رأيت مولاي انبسطت نفسه منه.»
Halaman tidak diketahui