211

Gadis Ghassan

فتاة غسان

Genre-genre

وكان حماد قد مل الانتظار تشوقا إلى ما في تلك الاسطوانة فلما فرغ عبد الله من حديثه نهض وقد أعياه التعب لشدة تأثره وذكرى مصائبه وقال لحماد: «إلي يا مولاي بالاسطوانة» فدفعها إليه فالتمس من الراهب أن يباركها قبل الفتح فباركها فوقفوا جميعا وتناول عبد الله الاسطوانة وعالجها بمدية حتى انفتحت فدنا من مصباح منير بجانب أيقونة ونظر إلى ما في الاسطوانة وكلهم يتطاولون من جنبيه وورائه ينظرون معه فإذا فيها لفافة من جلد فاستخرجها ونشرها بين يديه فرأى عليها كتابة بالأحرف الاسطرنجيلية وهي كتابة أهل العراق إلى ذلك الحين فشخصت أبصارهم إلى ما فيها فأخذ عبد الله يتلوها عليهم وهم يسمعون وهاك نصها:

من النعمان نزيل دار البقاء إلى ابنه المنذر المقيم بين الأحياء. أما بعد فهذا كتاب كتبته وأنا في عالم الوجود وأنت في دار الخفاء وستقرأه بعد رجوعي إلى عالم الغيب وبروزك في عالم الأحياء. فإذا قرأته وقد وفيت نذرك وعرفت حقيقة نسبك فاعلم أن عظامي تناديك من ظلمة القبر وتستحلفك بشرف أجدادك المناذرة من آل لخم أن لا تقرب امرأة ولا تشرب خمرا حتى تنتقم لأبيك من أكاسرة الفرس فإذا فعلت ذلك فانك مبارك أنت ونسلك. وإن لم تفعل فان رفاتي ترتعش حنقا ونفسي تتألم وهي تنظر إليك من منافذ الآخرة تراقب حركاتك وسيجمعني وإياك موقف نتحاسب فيه والسلام.

فلم يكاد حماد يأتي على خاتمة الكتاب حتى ارتعدت فرائصه وأي ارتعاد وقد رأى مساعيه كلها ذاهبة أدراج الرياح على أن الحمية من الجهة الثانية. ثارت فيه والنخوة هاجت في رأسه وشعره بدافع يدفعه إلى الأخذ بثأر والده من أكاسرة الفرس وقد استعظم المشروع وهالة الأقدام عليه فوقف مبهوتا لا ينبس ببنت شفة.

فنظر عبد الله إليه ينتظر ما يبدو منه فلما رآه صامتا قال له: «هذا هو السر يا سيدى قد أطلعك عليه فألقيت عن عاتقي حملا حملته نيفا وعشرين عاما وأنا أخاف أن أقضي نحبي قبل إفشائه فانظر في ماذا تفعل».

فقال حماد: «لقد ألقيت عنك حملا اثقلتني به وأرجو أن أتوفق للقيام بما عهد إلي والله منجدي ونصيري». قال ذلك وتحفز للخروج من الصومعة فأوقفه عبد الله والتمس من الراهب أن يختتم حديثهم بالصلاة فصلى وتضرع إلى الله أن يساعدهم على كتمان الأمر ثم خرجوا وكأن على رؤوسهم الطير لهول ما سمعوه ورأوه. وأكثرهم بغتة وإنذهالا حماد لأنه أصبح لا يدري ماذا يعمل أيسير إلى هند يطلعها على سره وليس في ذلك السر إلا ما يوجب كدرها لأنه حائل بينها وبين الاقتران إلى أجل غير معين وإن يكن في اطلاعها على حقيقة نسب حماد أمر يسرها. أم يخاطب جبلة بالأمر لعله يشير عليه أو ينجده. أم يأم العراق فينزل المدائن ساعيا في الانتقام من كسرى فلما فكر في مسيره إلى هناك تهيب لعلمه بما يحول بينه وبين ذلك المرمى من العقبات فإن الأكاسرة ذوو بطش ومنعة. فسار إلى الدير وقضى ليله ساهرا لعظم تأثره وهو يفكر في طريقة تهون عليه المشاكل.

الفصل الخامس والستون

دولة الفرس

ما برحت الفرس من قديم الزمان تحت سلطة مملكة أشور حتى تولى هذه المملكة الملك سردنفول في القرن الثامن قبل الميلاد وساء حكومتها وانشغل عن سياسة مملكته بمجالسة النساء واللهو على أنواعه فأبغضته الرعية وودت لتخلص منه فاتفق كبيران من قواده على إخراج الملك من يده وهما أرباسيس قائد عسكر مادي وبيليزيس قائد جند بابل فاتحدا على العصيان وحاربا ملكهم فحصراه في نينوى فلما أيقن بالهلاك أحرق قصره بما فيه من المال والناس وهو في جملتهم سنة 760ق.م وهكذا انقضت مملكة أشور الأولى وقامت مملكة مادي وفارس وملكها ارباسيس وتوالى الملوك من بعده وفيهم العادلون والمدمرون أو الجهلاء والظالمون ومن أشهرهم كورش العظيم صاحب الغزوات المشهورة فافتتح بابل وما بين النهرين وأرمينيا وسوريا واسيا الصغرى وجانبا من بلاد العرب وتولى بعده ابنه كمبيز ففتح مصر على زمن الملك اماسيس من فراعنة مصر ثم تولى داريوس ومن جاء بعده ولم يحسنوا السياسة فتقهقرت المملكة واختلت أحوالها. فلما ظهر اسكندر الأكبر في القرن الرابع قبل الميلاد طمع ببلاد فارس ففتحها وقهرها واستولى عليها ولكن عمر اسكندر لم يطل فمات واقتسم قواده مملكته فكانت بلاد فارس من نصيب سلوقس ولم يطل حكمه فغزا الفرثيون بقيادة ارساسيس الأول وما زالت في حوزتهم خمسماية سنة.

فانف الفرس من رضوخهم للنير الاجنبى فثاروا سنة 226م بقيادة رجل منهم اسمه أردشير فطرد الفرثيين وأسس دولة اشتهرت في التاريخ الفارسي هي الدولة الغسانية ومنهم كسرى أنوشروان الملقب بالملك العادل وهو أعظمهم وصار لفظ كسرى لقبا لكل من ملك بعده منهم فعرفت دولتهم بالملوك الأكاسرة.

وكان مقام الأكاسرة في المدائن وهي مدينة عظيمة على ضفاف الفرات فيها قصر عظيم طار ذكره في الآفاق يسمى الإيوان ويعرف بإيوان كسرى.

Halaman tidak diketahui